أوكرانيا بين روسيا والولايات المتحدة

نسخة للطباعة2021.05.08
محمد السماك

هل تتحوّل أوكرانيا إلى «رأس الإبرة» التي تفجّر بالون العلاقات الروسية – الأميركية الذي يزداد انتفاخاً بالأزمات؟.

في الأساس كانت أوكرانيا كغيرها من دول أوروبا الشرقية عضواً في الاتحاد السوفييتي. ولكنها كانت أشدّ هؤلاء الأعضاء تمرّداً. ففي عهد الرئيس جوزيف ستالين وتحديداً بين عامي 1932 و1933، دفعت ثمن محاولة التمرّد حوالي أربعة ملايين من مواطنيها ماتوا جوعاً.

في ذلك الوقت عمّت المجاعة أيضاً أجزاء واسعة من الاتحاد السوفييتي، إلا أن أشدّها كان في أوكرانيا. ويدّعي المؤرخون الأوكرانيون أن محاولة تدجين الأوكرانيين ليتحولوا إلى «سوفييت» استخدمت المواد الغذائية سلاحاً للإخضاع وليس علاجاً للمجاعة..

غير أن الوثائق الرسمية التي كُشف النقاب عنها بعد تمزّق الاتحاد السوفييتي وتفتّته، لم تثبت أنه كان هناك قرار من الكرملين بتجويع أوكرانيا. وهذا يعني أن التجويع كان عن عجز وليس عن عمد أو سابق تصميم. 

مع ذلك لا تزال مأساة المجاعة حيّة في الذاكرة الجماعية للشعب الأوكراني، ولا تزال مرتبطة بموقف الكرملين في ذلك الوقت من محاولات التمرّد التي قام بها الأوكرانيون. فقد كانت أوكرانيا دائماً العضوّ المتمرّد في القطيع. إلا أن كل الدول الأوروبية الأخرى كانت تتشارك في معاناتها من انعدام الحريات العامة.

من هنا فإنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي (1991) تبعثرت هذه الدول وخرجت مسرعة ليس فقط من منظومة حلف وارسو، بل من الاتحاد كله. بما في ذلك دول آسيا الصغرى. ثم توجهت دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي تطلب الانضمام لتوفير الحماية السياسية والدعم الاقتصادي. كما توجهت إلى حلف شمال الأطلسي لتوفير المظلة الأمنية. 

كانت بولندا أسرع هذه الدول وأكثرها جرأة في الخروج من مظلة الكرملين. ونشير هنا إلى تحالف الولايات المتحدة (رونالد ريجان) مع الفاتيكان (يوحنا بولس الثاني) لدعم الحركة الوطنية البولندية التحررية من الهيمنة السوفييية. ساعد على تحقيق ذلك أن بولندا دولة كاثوليكية وأن البابا كان أحد أبنائها، وذلك للمرة الأولى في التاريخ.

غير أن أوكرانيا هي دولة أرثوذكسية في أكثريتها، ولذلك فان تمرّدها على موسكو كان في الوقت ذاته تمرّداً على التبعية –أوعلى المرجعية- الكنسية الأرثوذكسية الروسية. وهذا يعني أن التمرد هنا سياسي وديني معاً، ولذلك كان –ولم يزل- شديد الوطأة على موسكو. وهو أشد ما يكون على الرئيس بوتين نفسه الذي أعاد للكنيسة الروسية دورها الذي كانت فقدته في العهد السوفييتي السابق.

عندما سقط جدار برلين (1989) وتوحّد شطرا ألمانيا الشرقية والغربية، ربطت موسكو موافقتها على الأمر الواقع الجديد بالتزام حلف شمال الأطلسي بعدم التمدّد شرقاً. أي عدم ضمّ دول أوروبا الشرقية إلى الحلف. 

غير أن الوقائع أثبتت أن انضمام هذه الدول إلى المجموعة الأوروبية (الاتحاد) كان مدخلاً للانضمام إلى الحلف، أو على الأقل أساساً لعقد اتفاقات أمنية-ثنائية معه. هكذا فعلت بولندا بدعم من الولايات المتحدة خصوصاً، وهو ما حاولت أن تفعله أوكرانياً أيضاً.

غير أن روسيا لا تستطيع أن تتحمّل تبعات ونتائج تسلّل حلف الأطلسي شرقاً حتى يصل إلى حدودها المباشرة. فكان ردّ فعل الرئيس بوتين تجاه الحركة الانفصالية في شرق أوكرانيا (يتحدث سكانها اللغة الروسية) وبعملية استرجاع شبه جزيرة القرم.

أدت ردود الفعل هذه إلى اضطرابات سياسية في المنظومة الحاكمة في أوكرانيا. ووقعت عدة انقلابات في السلطة وعليها. أما الآن فإنها الدولة الوحيدة في العالم (بعد إسرائيل) التي يتولى رئاستها يهودي. 

منذ ثلاثينيات القرن الماضي، كان ستالين يتعامل مع أوكرانيا على أنها حَمَل خارج القطيع لا بدّ من تدجينه. أما الآن فقد تبدّد القطيع وتناثرَ، وتحوّل الحمَل إلى ثور بقرون أميركية –أوروبية.

كانت أوكرانيا الخط الأمامي في الجبهة السوفييتية في مواجهة حلف الأطلسي، الآن أصبحت الخطّ الأمامي للحلف في مجابهة الكرملين. فهل إن قدرها أن تدفع الثمن مرتين؟.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة الاتحاد

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022