مشكلة بوتن مع بوتن

نسخة للطباعة2025.07.13
عبد الرحمن عكل

يتكرر سيناريو زيلنيسكي بنفس التفصيل مع ترامب! ترامب كان مرشحا للرئاسة الامريكية استثمرت فيه روسيا ودعمت وجندت له منصاتها الاعلامية على زعم انه اذا انتصر فأن امريكا وروسيا سوف يصبحوا حلفاء و تحقق روسيا النصر في اوكرانيا, وفي الواقع جزء من هذا الامر حصل! ترامب بالفعل مع وصوله لسدة الحكم كان كثير التهجم على الرئيس الأوكراني زيلنسكي وكان يدافع عن بوتن ويتهجم على كل من يتهجم عليه ظاناً ان هذا هو طريق السلام! الغريب والعجيب هو ان نفس الامر بنفس التفاصيل حصل مع زيلنسكي الذي وصل الى سدة الحكم في اوكرانيا بدعم من بوتن والمنصات الاعلامية الروسية لأن زيلنسكي كان على عكس المرشح الاخر باراشينكو يؤمن بالسلام مع روسيا وان المفاوضات مع روسيا افضل بكثير من الحرب وان الحرب جنون وان سبب الحرب الرئيس الاوكراني السابق باراشينكو ومنذ وصول زيلنسكي الى سدة الحكم وهو كان يحاول المفاوضات مع بوتن الذي كان يطالب باستلام تام وفق اتفاق منسك بحسب الفهم الروسي له وليس نص الاتفاق نفسه المفتوح على التأويلات

سبب الحرب الروسية على أوكرانيا

ترامب اليوم اصبح اقرب لموقف اوكرانيا بعد ان لمس بنفسه تعنت بوتن وهو تدريجيا يمر بنفس الاطوار التي مر بها زيلنسكي وكلاهما شخصان من خارج عالم السياسة دخلا السياسة بمفاهيم مسبقة ليست دقيقة خاصة في ما يخص السياسة الخارجية.
اذا فالثابت هو ان زيلنسكي هي الحكومة الاوكرانية الثالثة التي يحاربها بوتن بعد حكومة تورتشينوف المؤقتة وحكومة باراشينكو ومع ان الحكومات الثلاثة تتبع لحركات سياسية مختلفة لكن واقع الخلاف مع روسيا لم يتغير! في امريكا ايضا انتقل الحكم من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ولم يتغير شيء في واقع الحرب الروسية على أوكرانيا! لا تزال روسيا تطالب أوكرانيا بالاستسلام

من هنا نرى ان سبب الحرب واستمرارها لم يكن "الغرب الجمعي" ولا امريكا التي تحاول بناء كيان معادي على حدود روسيا ولا "المختبرات البيولوجية الامريكية" فامريكا اليوم هي امريكا مختلفة تماما فان كانت امريكا السابقة هي سبب المشكلة فلماذا تستمر المشكلة وقد تغيرت امريكا بشكل كامل؟
اوكرانيا ايضا تغيرت منذ حكم حزب باتكيفشينا المؤقت الى حكم يفروبيسكي سوليدارناست السابق الى حكم سلوها نارود! تغيرت الاحزاب وتغيرت الاتجاه لكن بقيت المشكلة! غزو روسي للاراضي الأوكرانية! لم يتغير شيء! بوتن يريد استسلام اوكرانيا.

الفشل الاداري وملفات الفساد

طيب قد يقول البعض هذه ازمة دولية مستدامة لها اسبابها! لكن الحقيقة ان مشاكل بوتن ليست فقط في هذا الملف! بل حتى في ملف ادارة الحرب نفسها يملك بوتن الكثير من المشاكل التي جعلت ادارة هذه الحرب تمر بازمات كبيرة! فروسيا الدولة الغنية صاحبة اكبر بلد في العالم ولربما اكبر خزان ثروات طبيعية في العالم تملك كوارث لوجستية في ادارة الحرب سواء منذ الفشل في الهجوم على مدينة كييف بعد تدمير الرتل الروسي الرهيب من بيلاروسيا الى الهروب من خاركيف الى الانسحاب من مدينة خيرسون الى تقهقر الاسطول الروسي في البحر الاسود! حتى انتصارات روسيا بالكاد تسمى انتصارات! فمن غير المنطقي ان تحتاج روسيا الى ستة اشهر واسلحة من ايران وكوريا والاف المقاتلين الكوريين حتى تحرر مقاطعة كورسك الروسية! ومن غير المنطقي ان تحتاج روسيا الى عام كامل لتحتل بلدة بحجم باخموت! روسيا اليوم تتقدم على الارض لكن التقدم بطيء ومكلف! بل مكلف جدا.

المقولة الروسية تقول أن "الملك جيد ولكن الحاشية سيئة" وهذا ما يكرره الاعلام الروسي المؤيد الذي كان يدعي ان سبب فشل الروس هم افراد بعينها في الجيش والقوات المسلحة والحكومة لكن على سبيل المثال وعلى الرغم من الهجوم المستمر على وزير الدفاع السابق شايغو تاخرت جدا اقالته مع ذلك لا نرى اي تغيير حقيقي في ادارة العمليات العسكرية كما وعد الروس! ولا يوجد تحقيقات معه ولا مع حاشيته بالفساد الى بعض الشخصيات التي لطالما تحدثت المعارضة الخارجية عن فسادها ولطالما انكر الاعلام الروسي ذلك لتصبح فجأة كبش الفداء ويعترف الاعلام الروسي الرسمي فجأة انهم اكتشفوا ان هذه الشخصيات فاسدة بل ويستدلوا بالفساد من تحقيقات المعارضة الروسية الخارجية المرفوضة داخليا بالمطلق!

عقلية بوتن

والحقيقة هي ان الجميع يدرك ان مشكلة روسيا الدبلوماسية لم تكن بسبب امريكا ولا الحكومات الاوكرانية المتعاقبة بل بسبب بوتن نفسه وان مشكلة ادارة الحرب لم تكن بسبب شايغو او غيره بل كانت ولا تزال بسبب عقلية بوتن! وان اغلب مشاكل روسيا ومشاكل بوتن نفسه هي مع بوتن!
المشكلة هي ان بوتن الشخصية التي مارست عمليا مكتبيا ضمن المخابرات الروسية لم يكن "جاسوسا" كما يظهر الاعلام الروسي بل موظف عادي في مكتب في المانيا الشرقية لربما مارس الجاسوسية لكن على زملائه للصعود في السلم الوظيفي حتى ابتسم له الحظ وعمل في مافيا سانت بطرسبورغ تحت جناح اناتولي سوبتشاك لتكون هذه نقطة انطلاقه الحقيقية في عالم السياسة!

بوتن لا يتحدث من منطق مخابراتي بل منطق مافيوي بلطجي! بوتن يصرح ان شوارع سانت بطرسبورغ علمته انه عليه ان يضرب اولا "هذا تصريح رسمي له" وهو دائما يتحرك من هذه العقلية المافيوية! لو كان بوتن شخصية مخابراتية رفيعة كما يدعي الاعلام الروسي لما كان الفشل الاكبر في الحرب الروسية الحالية هو الفشل المخابراتي! فالحرب كلها مستمرة لحد اليوم بسبب فشل المخابرات الروسية تحديد القوة الاوكرانية قبيل الحرب واستمرار الفشل المخابراتي يعطي اوكرانيا القوة في مجال المخابرات بالتعاون طبعا مع المخابرات الغربية بايقاع روسيا بشكل مستمر في عمليات خاصة الافضلية فيها بالمطلق للقوات الاوكرانية كما حصل مع استهداف الغواصة النووية الروسية والطيارات النووية الروسية لتعوض اوكرانيا الضعف العسكري بعلو كعب استخباراتي.

والمشكلة هي ان الروس يشتكون من الفساد والاختلاس متناسين ان رأس الفساد هو الرئيس الذي يضغط على البرلمان لتغيير وتعديل الدستور بوسائل غير قانونية تسمح له بالاستمرار بالحكم وان المعارضة الروسية هددته بتغيير البرلمان كي لا يتمكن من التجديد فكان رد بوتن بحملات واسعة ضد المعارضة وحملات تزوير لاستئصال اغلب المعارضة الروسية لتصبح سياسة بوتن في تقريب الفاسدين ممن يملكون ولاء مطلق هي اهم مشاكل روسيا لتستبعد شخصيات مثل بريماكوف ويتم بدل منهم تعيين امثال زاخاروفا وحبس واستبعاد بطل روسيا كاسباروف بالمقابل جعل الدوما الروسي مليء بشخصيات مثل فالوييف, لتتحول الدوما الروسية الى سيرك حقيقي مهمته التصفيق لبوتن فقط! بل إن سلوتسكي الذي يفترض انه يقود الحزب المعارض لبوتن داخل الدوما هو اكثر المؤيدين له

اذا مشكلة اكبر دولة بالعالم وربما اغنى دولة بالعالم من حيث الثروات لم تكن لا بجيرانها ولا بالخارج بل بادارة دكتاتورية من عصر بائد لا تحمل فكر عصري تحارب كل من يحاول ان يقدم اداء حسنا وتقرب الفاسدين وفي المقالة في هذا الرابط تفصيل اكبر عن هذا الموضوع

أين المشكلة؟

حتى لو افترضنا ان مشكلة روسيا مع اوكرانيا كانت بان اوكرانيا تعمل على تقليص دور اللغة الروسية من خلال الاهتمام بالجامعات الاوكرانية, بدل من الحرب مع اوكرانيا كان من الممكن ان تقوم روسيا بما تقوم به الدول الاستعمارية الاخرى من خلال فتح وتمويل مدارس روسية في اوكرانيا "وهو امر غير ممنوع ابدا" وفتح فروع للجامعات الروسية في اوكرانيا وتحفيز الطلاب على الدراسة باللغة الروسية بدل من جر روسيا واوكرانيا لحرب الرابح فيها هي امريكا والصين وبكلفة اقتصادية وبشرية اقل بكثير.
المشكلة الاساسية هي ان وسائل بوتن في "حل المشاكل" تجعل الوضع معقدا اكثر لروسيا وانه في كل مشكلة يبحث فيها الاعلام الروسي الموالي والجمهور الموالي للدكتاتورية عن كبش فداء يلومه على اخطاء بوتن يثبت الزمن ان كل المتغيرات لا تؤثر شيء وان المشكلة باقية بقاء بوتن! بوتن الذي في عصره انحسرت دائرة روسيا الاستراتيجية واصرت على الرهانات الخاسرة كما حصل في سوريا مع ان المعارضة السورية لطالما حاولت التواصل مع موسكو التي تعنتت بالاستثمار ب "بطة عرجاء" كما يقول المثل الروسي جعلت استثمارات روسيا في سوريا تتبخر في يوم وليلة بسبب السياسة المغلوطة, السياسات المغلوطة التي جعلت حتى الجناح اليميني المتطرف في روسيا المطالب بابادة اوكرانيا كدولة يشهد بعض القادة الذين اصبحوا يشيرون الى بوتن بالاسم للومه على فشل الحرب كما فعل قائد قوات فاغنر بريغوجن قبل تصفيته في الغالب من قبل بوتن وكما فعل القائد العسكري المرتزق ايغور غيركين الذي وضع مدينة دونتسك كلها تحت تصرف الروس سابقا ثم استمر بانتقاد بوتن حتى اضحى في زنزانة السجن.
مشكلة هؤلاء مع بوتن انه يدير الحرب بعقلية " اذا فشل الكثير من احتلال الارض فان ارسال عدد اكبر في مرحلة من المراحل سوف ينجح" بدل من تحسين السلاح وتغيير الاستراتيجية, الامر التي جعل الحرب مكلفة كلفة رهيبة بشرية للطرفين.

ليس العالم كله ضد بوتن بل على العكس! ربحت روسيا فرصاً كبيرة كانتصار زلينسكي في الانتخابات الاوكرانية وهو كان المرشح الاقرب لروسيا وانتصار ترامب في امريكا وهو مفاجئة كبيرة وفرصة ذهبية لروسيا لكن الحكومة الروسية اثبتت فشلها لحد اليوم في استثمار واقع مواتي جدا لها لتحويله الى واقع مفيد ومستدام بسبب ان بوتن لا يفقه الا سياسة مافيا الشوارع ولاصراره على ترديد عبارة "سواء اعجبكم ام لا, عليكم الصبر" العبارة التي قالها في وجه السياسيين الاوكران! طالما روسيا يقودها شخص دكتاتور متعجرف متحجر الفكر يقرب الفاسدين ويعاقب المخلصين لروسيا لانهم قد يزعجونه برأيهم السياسي فأن مشكلة بوتن مع بوتن نفسه سوف تصبح اعمق واعمق ويدفع الثمن روسيا ومن حولها! باختصار مشاكل روسيا او مشكلة بوتن هو بوتن نفسه.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022