أوكرانيا والناتو.. امتحان "الحلفاء"

نسخة للطباعة2022.01.04
مصطفى فحص

ما سبق الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، وما أعلن من مواقف بعدهما، يجعل الرهان على الدبلوماسية الدولية في حل الأزمة الأوكرانية شبه مستحيل، فما طالبت به موسكو قبل الاتصال الأول بين الرئيسين تحول إلى مسودة رسمية أو شروط علنية بعد الاتصال الثاني، حيث من الصعب الفصل بين مطالبها السياسية وما تكشفه من نوايا عسكرية تمثل الخيار الأنسب لمجموعة القوة العسكرية والأمنية المعروفة "بالسيلافيكي".

صناع القرار الاستراتيجي في الكرملين أو مجموعة "السيلافيكي" التي فرضت إرادتها على مجموعة الأعمال والاقتصاد المعروفة بـ"الأوليغارشية" في أزمة القرم، ولم تعر اهتماما للضغوط الاقتصادية وما تسببت به العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا، تستعد الآن لتكرار ذات المغامرة مراهنة على ضعف الإرادة الأميركية الأوروبية في مواجهتها والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية والمالية من أجل زيادة الضغط على النظام الروسي.

في موسكو هناك من يرى أن المباحثات المفترضة الشهر الحالي مع واشنطن لن تصل إلى الأهداف الروسية المرجوة، خصوصا أن هناك تحديا كبيرا سيواجه دول الناتو المتناقضة في موقفها والولايات المتحدة المترددة في كيفية التعاطي مع المطالب الروسية التي تحولت إلى شروط مسبقة.

لذلك يتعزز الرهان على اعتبارات واشنطن الخاصة ومصالحها في علاقاتها مع موسكو بأنها لا ترغب خوض معركة كسر عظم معها من أجل كييف، لكنها لا تستطيع أن تعطي موسكو ما تريده او حتى تتوازن في الحل حتى لو كان هناك ليونة أوروبية؛ لأن هذا سيمس مبدأ علاقاتها مع حلفائها الجدد.

بالنسبة للنخب الروسية فإن الأزمة الأوكرانية فضحت التباينات الأوروبية الداخلية وقد تؤدي إلى زعزعة الثقة بين الدول الأوروبية الكبرى مثل (فرنسا وألمانيا) ذات العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة، والتي لها مصالح تجارية واقتصادية مع روسيا أيضا وهي تميل أكثر نحو التسوية وتراعي إلى حد معين مصالح روسيا، وبين  دول المعسكر الاشتراكي السابق التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي والناتو بعد نهاية الحرب الباردة مثل دول البلطيق وبولندا وتشيكيا، التي تستفزها بعض الليونة الأوروبية مع موسكو وهي تمثل الآن التيار الأوروبي المتشدد تجاه أزمة أوكرانيا وقلقة من أي تراجع أميركي غربي لأن ذلك سيجبرها على مقاربة جديدة في علاقتها مع موسكو.

آلة الدعاية الروسية تركز على أزمة الغرب في التعاطي مع روسيا، وتظهر تخبطه في التعاطي مع موسكو وبأنه لم يعد قادر على إنكار الوقائع الجيواستراتيجية وعودة روسيا إلى فضائها السوفياتي وما يجبره على مراجعة توازنات ما بعد 1991، خصوصا أن روسيا تخيره ما بين المواجهة في أوكرانيا والعودة إلى توازنات ما بعد 1945.

وبمعنى أخر، موسكو تطمح إلى علاقة متوازنة كما كانت ما بعد الحرب العالمية الثانية تنهي مفاعيل هزيمتها في الحرب الباردة، وهذا ما يلخصه الباحث والكاتب السياسي الروسي "غيفورغ ميرزايان" بقوله "تكمن المشكلة في نفسية القادة الغربيين بالذات. فلا يمكن التوصل إلى حل وسط مع موسكو إلا إذا تخلت النخب الغربية عن منظور أيديولوجي يكررونه منذ 30 عاما، أنهم مع المساواة، ولكن أن يكون للبعض أفضلية في هذه المساواة".

من هنا ينطلق موقف التشكيك لبعض مراكز القوة في روسيا من منطق أن هذه المفاوضات إضاعة للوقت وأن لا مسار النورماندي ولا اتفاقية مينسك ولا المفاوضات الثنائية مع واشنطن بعيدا عن الأوروبيين ستحمي حدود روسيا وتردع الناتو.

لذلك يبقى الرهان على القوة التي من خلالها ستجبر الأعداء على التراجع مهما كبرت الخسائر الجانبية، وستكشف مدى حماية واشنطن لحلفائها القدامى والجدد.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الحرة

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022