صفحة من تاريخ الإدارة الدينية لمسلمي القرم

الحاج سيد جليل أفندي إبراهيموف أول مفتٍ للإدارة الدينية لمسلمي القرم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي (الصورة تعود لعام 1991م)
نسخة للطباعة2021.08.09

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

نصّ أحد بنود معاهدة "كوتشوك قينارجه" عام 1774م بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية على منح الإستقلال لخانية القرم (1441-1883م) على أن تبقى الشؤون الدينية تتبع للدولة العثمانية.

لكن قامت روسيا القيصرية بعد سيطرتها على خانية القرم عام 1783م بإلغاء المعاهدة المذكورة، وكذلك الوصاية الدينية للعثمانيين على مسلمي شبه جزيرة القرم، مع تعهد الروس في المقابل بحماية الشؤون الدينية لمسلمي القرم، وتم تعيين مفت للقرم وهو: المفتي موسلار أفندي عام 1784م إلى وفاته عام 1791م، بدون مؤسسة رسمية واضحة.

ونظرا لكثرة المساجد والمدارس الإسلامية والأوقاف، كان لابدّ من تنظيم الشؤون الدينية للمسلمين، وما يتبع لهم من أئمة وممتلكات وأمور أخرى، فظهرت ضرورة ملحة لتأسيس إدارة دينية للمسلمين.

تأسست الإدارة الدينية لمسلمي تافريدا (القرم) في مدينة سيمفروبل، وهي إدارة سنية تتبع المذهب الحنفي، وتلفظ بالروسية "تافريتشسكوي مغاميتانسكوي دوخوفنوي أبرافليني"، بقرار رسمي صادر عن الإمبراطورة كاتيرينا الثانية (حكمت 1762-1796م) في 23 يناير من عام 1794م، يترأسها المفتي، وتم تحديد مبلغ ألفي روبل كمخصصات لها من جانب الحكومة.

وكان أول مفتي لهذه الإدارة: قاضي عسكر: سيد محمد أفندي، وتعد هذه الإدارة  ثاني دار إفتاء تؤسس في روسيا القيصرية بعد المجلس الديني لمسلمي أورينبورغ الذي تأسس عام 1788م في مدينة أوفا.

تلخصت وظيفة الإدارة الدينية في الإشراف بأداء الشعائر الإسلامية، وإدارة الأوقاف الإسلامية، والعمل على بناء وترميم المساجد والمدارس الشرعية، واختيار والإشراف على عمل المؤذنين والأئمة والخطباء والقضاة الشرعيين، وإبرام عقود الزواج، وحل الخلافات الأسرية، وقضايا المُلكية، ومهام أخرى.

وامتد نفوذها على مناطق شبه جزيرة القرم وما حولها، والرعايا المسلمين القاطنين في المقاطعات الغربية للبلاد (أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا ودول البلطيق).

تجب الإشارة هنا إلى أن وزارة الداخلية الروسية كانت تشرف على عمل الإدارة الدينية لمسلمي القرم.

في عام 1835م مثلاً كان يعمل في الإدارة الدينية مفتي واحد، وأربع قضاة عسكر، وخمس قضاة شرعيين، و 454 خطيب، و 1113 إمام مسجد، و 103 مدرس.

أشرفت الإدارة الدينية على إدارة مدرسة "زنجيرلي" الشرعية وأوقافها، وهي من أقدم المدارس في شرق أوروبا أسسّها الخان القرمي منغلي كراي الأول عام 1500م في مدينة بغجه سراي بالقرم، واستمرت بأداء دورها التعليمي والتثقيفي حتى أغلقها الشيوعيون.

أبرز مفتيّ الإدارة الدينية لمسلمي القرم:

  • المفتي سيد محمد أفندي بين عامي 1794-1806م
  • المفتي سيد مرتضى تشلبي أفندي تولى المنصب بين عامي 1807- 1816م
  • المفتي عبد الرحيم أفندي تولى بين عامي 1816- 1829م
  • المفتي سيد جميل أفندي تولى الإفتاء عام 1829م
  • تولى بالإنابة عن المفتي بين عامي 1879-1881م قاضي العسكر: سيد يعقوب أفندي
  • المفتي النبيل علي بيه خونكالوف تولى الإفتاء بين عامي 1881- 1883م
  • المفتي عبد الولي مرزا قراشايسكي مفتي من عام 1883م
  • المفتي حجي عادل مرزا قراشايسكي تولى الإفتاء عام 1899م.

وفي شهر مارس من عام 1917م انتخب نعمان جلبي جيهان مفتيا للقرم، وأصبح في ديسمبر من نفس العام رئيسا لجمهورية القرم الوطنية، وبذلك جمع بين المنصبين حتى أطاح به الشيوعيون في 26 يناير من عام 1918م.

كان يتبع للإدارة الدينية أوقاف وممتلكات كثيرة من الأراضي والدور والمزارع،كما أصدرت الإدارة مجلة شهرية تحمل اسم "الإسلام العصري" باللغة القرمية التترية في نوفمبر من عام 1924م بواقع 1000 نسخة.

بعد تهجير شعب تتار القرم من وطنه في مايو من عام 1944م ألغى الشيوعيون الإدارة الدينية، والجمعيات الإسلامية التابعة لها، وصادروا ممتلكاتها وأوقافها، ولوحق أئمتها.

وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي، واستقلال أوكرانيا أنشأ مسلمو تتار القرم مؤسسة دينية عام 1991م أطلقوا عليها "قاضيات" يرأسها "إمام محتسب" وسجلت رسميا في 31 أغسطس من عام 1992م، وبقيت تسمى كذلك حتى عام 1994م، إذ أطلق عليها "الإدارة الدينية لمسلمي القرم - مفتيات" ويرأسها "المفتي"، ومقرها في "الجامع الكبير" في مدينة سيمفروبل عاصمة القرم، وأصبح الحاج سيد جليل أفندي ابراهيموف (1960-2013) رحمه الله أول مفت لها من عام 1991-1995م، والحاج سيد جليل أفندي ولد في أوزبكستان، وتلقى تعليمه الشرعي في مدرسة "مير عرب" بمدينة بخارى، ورجع لوطنه القرم بعد انهيار الشيوعية.

قامت الإدارة الدينية بعدة أعمال مهمة في عهده أهمها: تسجيل عشرات الجمعيات الإسلامية، بناء واستراد عشرات المساجد القديمة وترميمها، افتتاح عدد من مدارس تعليم الإسلام، كذلك إعادة إعمار وترميم الجامع الكبير بمدينة سيمفروبل عاصمة القرم، وغيرها.

بعد دخول روسيا الاتحادية القرم عام 2014م، تعرضت الإدارة الدينية انقسامات عدة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022