د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة
تحل علينا في هذه الأيام ذكرى تهجير شعب "تتار القرم" المسلم عن وطنه شبه جزيرة القرم في 18 مايو من العام 1944م، وتتزامن هذه الذكرى الأليمة مع الأحداث المشتعلة في فلسطين الحبيبة، تلك الأرض المباركة التي عانى شعبها العظيم وما يزال من ويلات التهجير والظلم والعدوان من جانب الإحتلال الصهيوني الغاشم.
إن عملية التهجير القسري التي مارستها السلطات السوفيتية على شعب "تتار القرم" عام 1944م من وطنهم الأصلي شبه جزيرة القرم شمال البحر الأسود إلى جبال الأورال وآسيا الوسطى تمّ خلالها تهجير حوالي 200 ألف من شعب "تتار القرم" بأمر من الطاغية الشيوعي جوزيف ستالين (1878- 1953م)، في محاولة لاقتلاع شعب من أرضه، فيما هُجّر حوالي الملايين من أهلنا في فلسطين واحتلت أرضهم على يد عصابات الصهاينة المجرمة في عام 1948م وما تزال جرائمهم مستمرة حتى الآن.
كما قام المحتلَّين في كلا البلدين بعملية تغيير ديمغرافي واسعة، وهدم المدن والقرى وتغيير ومحو الأسماء العربية والإسلامية وطمس المعالم الحضارية والثقافية.
وقد عُدّ يوم 15 أيار/مايو الذكرى السنوية لنكبة الشعب الفلسطيني، ويوم 18 أيار/مايو الذكرى السنوية لمأساة تهجير شعب تتار القرم.
ولمن لا يعلم فإن "القرم" كانت في فترة مبكرة مرشحة من قبل السوفييت لتكون وطنا بديلا لليهود عام 1927م، ثم عَدَل الشيوعيون عن فكرتهم بعد مقاومة كبيرة من شعب تتار القرم المسلم قضى خلال هذه المحنة عدد من شخصياته الدينية والوطنية على رأسهم رئيس الجمهورية القرمية ولي ابراهيموف (1888-1927م).
جغرافياً: مساحة فلسطين الحبيبة حوالي 27 ألف كم مربع، وهي تقارب مساحة القرم 26 ألف كم، ويتمتع كلا البلدين بجغرافيا ومناخ متوسطي معتدل وأرض خصبة.
وتتمتع أراضي كل من القرم وفلسطين بأهمية استراتيجية وجيوسياسية، فالقرم شبه جزيرة تقع في عمق البحر الأسود وتستطيع أن تتحكم بالملاحة فيه، وكذلك فلسطين فهي نقطة التقاء القارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولها موقع مميز في شرق حوض البحر المتوسط.
كلا البلدين أيضا له تاريخ أصيل قديم حيث تعاقبت عليهما حضارات كثيرة عريقة كالإغريقية والرومانية والعثمانية وغيرها.
فمثلا كلا البلدين خاضعا لحكم الدولة العثمانية فقد دخلت شبه جزيرة القرم تحت الحكم العثماني في القرن الخامس عشر الميلادي وفلسطين في القرن السادس عشر.
وتذكر المصادر التاريخية أن عدد من علماء القرم درّسوا في مساجد فلسطين وبعضهم تولى مناصب القضاء فيها أيام الدولة العثمانية منهم العالم والفقيه: أبو البقاء الكفوي (توفي حوالي عام 1682م) صاحب الكتب والمصنفات في العلوم الإسلامية، والذي عاش في القدس وتولى منصب القضاء فيها، وفي مدينة القدس حي يسمى القرمي نسبة إلى شيخ من أصول قرمية، وهو العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان التركماني القِرمي المتوفى في القدس سنة 1386م.
وقد حرص حُجاج تتار القرم على حط رحالهم في مدينة القدس وزيارة المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي والصلاة فيهما خلال رحلتهم إلى الحج في مكة المكرمة. كما استقرت عدد من العائلات القرمية أيام الحكم العثماني في مدن فلسطين الغالية.
ومن القواسم المشتركة بين كلا البلدين تعرضهما للمجاعة في أوائل القرن العشرين، فقد ضربت المجاعة بلاد الشام ومنها فلسطين بين أعوام 1914-1918م فيما ضربت المجاعة القرم بين عامي 1921-1923م والتي راح ضحيتها الآلاف من كلا البلدين مع ما صاحبها من انتشارٍ للأمراض والأوبئة.
هذا فيما لا يزال الملايين من أهل فلسطين مهجرين قسرا عن وطنهم، هناك مئات الآلاف من تتار القرم مُهجّرين في بلدان تركيا وأوزبكستان وطاجكستان ورومانيا وغيرها.
فلسطين أرض أجدادي الكنعانيين، والقرم اليوم هي موطن أبنائي، وقد شهدتُ بنفسي عودة عدد من كبار السن من شعب تتار القرم من بلد المهجر إلى وطنهم وبيوتهم، حاملين معهم مفاتيح بيوتهم بعد غربة قسرية تزيد عن ال 50 عاما.
أترقّب - بإذن الله – رؤية عودة الأجداد والأحفاد إلى وطنهم الحبيب ومهد طفولتهم إلى أرض فلسطين الغالية. وحتى ذلك الوقت لا بد من استمرار النضال لأن مسلسل التآمر على فلسطين والقرم ما زال مستمراً حتى الآن.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
وسائل التواصل الاجتماعي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022