ثلاثةُ أشهرٍ فقط، كانت كافيةً بالنسبةِ إلى الإدارةِ الأمريكيَّةِ الجديدةِ بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإشعالِ حربٍ دبلوماسيَّةٍ واسعة النطاق جغرافيا، طرفُها الأول بلادُه ودولٌ من حلف الناتو متضامنين ضد الطرف الآخر، روسيا الاتحادية، بدأت هذه الحربُ بحزمةٍ جديدة من العقوبات الاقتصادية والسياسية وطرد عدد من الدبلوماسيين الروس العاملين في السفارة الروسية في واشطن قابل ذلك ردٌّ روسيا تمثل في طرد عشرة دبلوماسيين أمريكيين ومنع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى من دخول أراضي روسيا الاتحادية.
كان هذا التراشقُ السياسي والدبلوماسي بين الخصمين الجيوسياسيين، البداية الفعلية لاشتعال الحرب الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية ضد روسيا حيث دخلت على الخط مباشرة وبعد عدة أيام، العديد من الدول الأوروبية كان في مقدمتها جمهورية التشيك التي بدأت بطرد 18 دبلوماسيا روسيا ردت عليها موسكو بطرح عشرين من العاملين في السفارة التشيكية في موسكو، وعلى نفس المنوال سارت بولندا وتبعتها دول البلطيق الثلاث، الجمهوريات السوفيتية السابقة (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) ودول أوروبية أخرى مثل بلغاريا، مع توقعات باتساع نطاق هذه الحرب.
الحرب السياسية والدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا بذريعة تدخل الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 والانتخابات الأخيرة عام 2020، تطورت إلى الأسوأ والأخطر بعد أن أعلن حلف شمال الأطلسي الناتو تعهده بمساعدة أوكرانيا في حال تعرضها لما يسميه الحلف «لعدوان» روسي على خلفية تصاعد التوترات في منطقة الدونباس الأوكرانية الخارجة عن سيطرة سلطات كييف منذ أن أطاح اليمين المتطرف في هذا البلد بالحكومة المنتخبة المدعومة من روسيا برئاسة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش عام 2014، وبعد أن نشرت روسيا جزءا من قواتها قرب الحدود الروسية الأوكرانية.
ما تمر به علاقات روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ومعها عدد من دول حلف شمال الأطلسي، والحلف بشكل عام، يعود بالذاكرة إلى سنوات الحرب الباردة التي كانت مشتعلة بين المعسكرين الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، صحيح أن الحرب الباردة السابقة مفعمة بالروح الأيديولوجية (الاشتراكية والرأسمالية) لكن طابعها السياسي والاقتصادي لا يختلف عن الحرب الدائرة حاليا والمرشحة للتصاعد، حيث العديد من الدول الأوروبية تؤكد تضامنها مع معركة جمهورية التشيك الدبلوماسية مع روسيا.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يشعر أن بلاده تتعرض لمحاولة احتواء وعرقلة عودتها القوية إلى الساحة الدولية كلاعب له وزنه، إضافة إلى سعي حلف شمال الأطلسي إلى تطويق روسيا بأعضاء جدد مثل جورجيا وأوكرانيا، بوتين لم يتردد في إظهار «العين الحمراء» في وجه خصوم بلاده السياسيين والعسكريين، ففي الخطاب السنوي أمام البرلمان والحكومة وحكام المناطق حذر بوتين من استفزاز روسيا وبأن بلاده سترد بحزم وبقوة على أي شكل من أشكال التهديد لأمنها الوطني، وهو ما فسره بعض المراقبين على أنه تحذير لدول الناتو من الانخراط في النزاع الأوكراني الذي تعتبره روسيا نزاعا محليا لكنها تؤكد دائما على نيتها عدم الوقوف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرض الروس القاطنين في مناطق الدونباس للخطر من جانب سلطات كييف.
من المؤكد أن دول حلف شمال الأطلسي قرأت جيدا خطاب الرئيس الروسي وتأكدت بما لا يدع أي مجال للشك من أن الرئيس الروسي يعني ما يقول وبأن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما شعرت بتهديد حقيقي لأمنها الوطني، وهي تمتلك ما يكفي من القوة العسكرية لحماية أمنها الوطني، صحيح أن روسيا وحدها ربما لا تقدر على مواجهة عسكرية تقليدية مع حلف شمال الأطلسي، لكن الحلف يعرف جيدا أن لدى روسيا ترسانة نووية تكفي لتدمير عدة كرات أرضية، وبالتالي فإن روسيا ليست خائفة على أمنها الوطني، لكن التحذير أمر لا بد منه في السياسة والعلاقات مع الآخرين، والحلف يعرف جيدا وعلى قناعة مطلقة، من أن روسيا ليست يوغوسلافيا.
موازين القوى العسكرية مع الترسانات النووية الهائلة لأطراف الحرب الباردة الجديدة، تجعل من شبه المستحيل تحول هذه الحرب إلى حرب ساخنة، إلا إذا وقعت أزرار الحقيبة النووية في يد مختل عقليا، ومن حسن حظ البشرية أن هؤلاء لا يقتربون من هذه الحقيبة، لكن أن تتطور هذه الحرب وترتفع درجات برودتها، فإن ذلك أمر وارد جدا، فمسار العلاقات السياسية بين روسيا وعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في انحدار لم تشهده هذه العلاقات منذ انتهاء الحرب الباردة على أثر انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي، أضف إلى ذلك فإن عمليات الطرد المتبادل للدبلوماسيين تجري على قدم وساق.
في خضم تصاعد الخلافات السياسية والدبلوماسية، هناك دول أوروبية مؤثرة على رأسها ألمانيا تتحرك بعقلانية لاحتواء هذا الخلاف والتقليل من مخاطره وإمكانية تصاعده إلى ما لا يحمد عقباه، فألمانيا حتى الآن بعيدة عن الانخراط في هذه الحرب السياسية والدبلوماسية، فهناك علاقات اقتصادية قوية تربطها مع موسكو وليس من مصلحة الجانبين الروسي والألماني إحداث أي شكل من أشكال القطيعة السياسية، خاصة وأن انخراط دول أوروبية في الحرب الدبلوماسية الأمريكية الروسية، لم ينبع من قناعة سيادية بقدر ما هو انسياق سياسي أعمى للرغبة الأمريكية.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أخبار الخليج
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022