بوتن يفتح شهية الغزاة في العالم

نسخة للطباعة2024.11.22
عبد الرحمن الشامي

في ضوء الكوارث والحروب التي يشهدها العالم وفي ضوء الابادة الجماعية التي تعيشها اليوم بكل اسف دول عدة على سطح الارض, فأن السلوك المتوقع من البشرية هي ان تصطف مع الضحية ضد الجاني لكن للأسف الشديد تقوم وسائل الاعلام بدور خطير جدا الا وهو تسييس الشعوب, فالطبيعي والمنطقي أن تكون الشعوب عاطفية على الفطرة في رفض مطلق للشر والوقوف مع الخير وان لا تسمع من الجماهير عبارة مثل "نعم ولكن" فالاصل أن الناس على فطرة الخير أما السياسيين فهم من يعمل على مبدأ اختيار الخيار الافضل بين الاسوء!
لكن المشكلة هي أن الاعلام احيانا بحسن نية واحيانا اخرى بتوجيه مباشر بدأ بتحويل الجماهير الى جماعات ميكافيلية لا تتعاطف مع الضحية الا ان كانت من محور معين! فهناك جماهير عربية لا تتعاطف مع اوكرانيا لانها من محور أمريكا وهناك جماهير أوربية لا تتعاطف مع فلسطين لانها ليست من محور الغرب.
سياسة المحاور التي يكرسها الاعلام والسياسيين هي طامة على الوعي الجمعي للشعوب, فاليوم لم يعد في كثير من الاحيان التعاطف مرتبطا بحجم الالم الذي تعاني منه الضحية او حجم الجريمة! بل بقرب الجاني و بعده من المحور السياسي للجماهير او قرب وبعد الضحية من المحور السياسي لنفس الجماهير.

القضية ليست "محور الغرب" ضد "محور الجنوب" بل محور الطغاة ضد محور الشعوب المستضعفة

المشكلة والمعضلة في هذا التفكير ليست فقط اخلاقية او دينية بل حتى معضلة سياسية ميكافيلية بحتة! بمعنى انه وبينما تفصل الجماهير في العالم بعضها عن بعض بمحاور وترسخ لفكرة المحاور وتدافع عن المحاور باستماته وتجد الاعلام يقيم كل انواع الندوات لشرح اهمية "العالم متعدد الاقطاب" او "اهمية العالم المتحضر" ما لا تدركه الجماهير ان المحاور الحقيقية هي محور الظلم والطغيان من ناحية ومحور الضحية والشعوب المستغلة المستعبدة من ناحية اخرى, فالظلم يقوي بعضه بعضاً وانتصار ظالم في مكان في العالم هو استراتيجيا قد يكون تقدم او تراجع لظالم اخر لكنه على المدى الطويل شرعنة للظلم نفسه واسقاط لحق الضحية اياً تكن في أن تدافع عن حقوقها التي كانت بديهية قبل استخدام فكرة "المحاور السياسية" فيصبح المجرمان المطلوبان لمحكمة العدل الدولية فلاديمير بوتن وبنيامين نتنياهو شخصيات "سياسية" مجبرة سياسيا على الجرائم التي يفعلونها بحجة مصالحهم السياسية! فمع تعاكس المحاور الا انه لا يوجد فرق حقيقي بين من يعتقد انه من حق روسيا ان "تخاف" من اوكرانيا التي لم تغزها يوماً وتبادر بالهجوم وابادة الشعب الاوكراني وبين من يعتقد ان نفس الحق يملكه نتنياهو لحماية اسرائيل من شعب اعزل محاصر يعاني من الاحتلال ل 75 سنة بينما الواقع ان كل من بوتن ونتنياهو لم يجتمعا في قائمة مجرمي الحرب صدفة! فكلاهما مجرمان غارقان في الدماء لدرجة اجبرت حتى محكمة العدل الدولية رغم تسيسيها للاقرار بأن كلاهما مجرم حرب! 
بينما يروج "اعلام المحاور" لحق الطغاة والمجرمين بالقتل لانهم محسوبين على محور الجمهور يرسخ هو نفسه لفكرة النظر في هوية الضحية قبل التعاطف معها ولا تدرك الجماهير التي تقع في فخ الاعلام ان نفس الامر سينطبق عليها عندما يصلها غزو من مجرم اخر!
النقطة الثانية التي لا يجب غيابها عن وعي الجماهير هي اننا نعيش في عالم بالفعل يأكل فيه القوي الضعيف ويأخذ حقه لكن يوجد هناك بعض القوانين تتطبق ولو بشكل محدود ونسبي, فالمصيبة هي انه بدل من ان تغضب الناس لانتهاك هذه القوانين هنا وهناك, فأن هناك من يعتقد ان انتهاك اكبر للقوانين من قبل طغاة جدد هو امر ايجابي من مبدأ انه ان قام طاغي او ظالم بالظلم اذا ما قيمة القوانين؟ دع الطغاة تفعل ما يحلو لها!, وتتناسى هذه الجماهير انه كل ما ازداد الظلم وقلت القوانين كان هذا في مصلحة أصحاب القوة في هذا العالم, بينما هذه الجماهير في الغالب تنتمي لدول اضعف نسبيا من ان تحمي نفسها في حال قرر ظالم ما ان يحولهم الى مستعمرة جديدة.
بالنهاية وكي لا يكون الكلام نظرياً ومملاً دون ان يحمل ادلة واقعية كتبت في هذا الموقع الكريم مقالا منذ عامين عن 9 سيناريوهات محتملة الحدوث بعد الغزو الروسي لاوكرانيا متحدثا في نقطة ان استباحة دولة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاولة تغيير الحدود بهذه الوقاحة السياسية من قبل روسيا ان نجحت ولو اي نجاح ستسيل لعاب باقي الطغاة على تغيير الحدود ومزيد من الضرب بعرض الحائط باي ما تبقى من قوانين المجتمع الدولي, وعلى الرغم من سخريتنا من هذه القوانين الا انها على الاقل كانت تجعل وقاحة الطغاة اقل ولو نظريا وتجبرهم على التظاهر بعدم محاولات ضم الاراضي غير الشرعية! اما بعد ان فعلتها روسيا فلم يعد الامر بهذه الصعوبة!
في المقالة المذكورة تحدثت كما قلت سابقاً عن تسع سيناريوهات محتملة, احدها للاسف يحاول , الطغاة تحقيقه امام اعيننا!
تحدثت وقتها عن احتمالية ان تنهي حكومة اسرائيل القضية الفلسطينية من خلال الاحتلال الكامل للضفة الغربية واعلان الاحتلال الكامل النهائي للاراضي الفلسطينية, للاسف هذه الاحتمالية التي اشرت لها في المقال منذ عامين اصبحت الان حقيقة أمام اعيننا, اليوم تقوم قوات الجيش الاسرائيلي باقتحام الضفة بينما تم الاتفاق مع الرئيس الامريكي الجديد على تسليم تلك الاراضي.
بالنهاية قد تتفق مع هذه النقطة او تختلف معها عزيزي القارئ لكن تأكد تماما ان كل طاغية يحاول ابادة شعب وسرقة ارضه فأن طغاة العالم تتفرج باهتمام كبير وتأخذ العبر بينما تعد العدة لخططها وطموحاتها الشخصية, ومع كل قطعة ارض تسرق من اصحابها وتمنح لطاغية لا يستحقها يفتح باقي الطغاة شهيتهم على أن الامر ممكن, بالمقابل كل ما طرد اصحاب الارض المحتلين من اراضيهم كل ما ادرك الطغاة ان الدخول في هذه الحروب قد يسبب لهم مشاكل هم بغنى عنها, لذلك فان انتصار اي شعب على الاحتلال هو فعليا انتصار لكل شعوب الارض ضد القوى المحتلة

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022