كتبها: د. أمين القاسم - القرم
فيادوسيا مدينة تقع في الجنوب الشرقي من شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، يعود تاريخها العريق إلى 2500 عاما، وقد كانت بين القرنين 13-15 تسمى مدينة كِفا، وميناؤها كان واحدا من أهم المراكز التجارية ليس في القرم وحوض البحر الاسود بل في العالم، يربط شرق آسيا والهند بغرب أوربا، وكان يقطنها في ذلك الوقت 80 ألف مسلم، وفيها 70 مسجدا و28 كنيسة و2 كنيس (اليوم عدد سكانها 70 ألف نسمة، نسبة القرميون المسلمون 5% وفيها مسجدين فقط).
وقد ذكرها ابن بطوطة (ت1377م) في رحلته التي مرّ فيها بالقرم فقال: "ووصلنا إلى مدينة الكفا، وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر، وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الاسواق، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب مابين حربي وسفري صغيرا وكبيرا، وهو من مراسي الدنيا الشهيرة".
لقد كانت مدينة جميلة مليئة بالحمامات والأسواق وسبل الماء، وفيها قوميات عدة من الروس واليونان والأرمن والبلغار، وحتى العرب السوريون كما تذكر المصادر، حتى سميت المدينة بـ "اسطنبول الصغيرة".
وأنا أبحث في صفحات الأرشيف لمدينة فيادوسيا دهشت من أعداد المساجد التي كانت في هذه المدينة وكيف ضاعت وهدمت، إذ بعد دخول القوات الروسية مدينة فيادوسيا في عام 1771م، وضمتها إلى الإمبراطورية الروسية، قامت بتغيير وهدم جميع المعالم الإسلامية للمدينة، وإليكم نموذج:
- مسجد السلطان سليم (الجامع الكبير): كان أكبر مسجد في القرم، بناه المعماري المشهور سنان باشا بني عام 1522م، وهومسجد ضخم ذو قبب ومنارات، تم هدمه على مراحل، آخرها عام 1834م، ليحول مكانه إلى كنيسة للأرثوذوكس عام 1872م تحت اسم كنيسة القديس أليكساندر نيفسكوفا (والتي هدمت في ثلاثينيات القرن 20).
- مسجد كوستيل ماللي: هدم في 1923م.
- مسجد حجي تشيشمي ماللي: له حديقة أمامه بمساحة 2100 متر مربع، وهُدم تماما عام 1932م.
- مسجد كايتيل ماللي: هدم تماما عام 1932م.
- مسجد ياكوكابو مالي: له منارة وحديقة وسور حجري، هُدم بعد 1935م.
- مسجد الأوقات الخمس: له منارة، هدم 1930م.
- مسجد شير ماللي: هدم في 1930م، وغيرها الكثير.
وفي هذه الوقفة السريعة سنتحدث عن مسجد "جامع المفتي" الذي تمّ تحويله في ثمانينيات القرن الثامن عشر الميلادي وحتى ثلاثينيات القرن العشرين إلى مقر للجمعية الكاثوليكية في فيادوسيا، وحول المصلى إلى (كنيسة الأرمن الكاثوليك "أوستينيا").
مسجد "جامع المفتي" هذا بدأ بناؤه 1623م، وانتهي العمل به عام 1638م، وذلك أيام حكم العثمانيين لشبه جزيرة للقرم، وهو مبني على الطراز المعماري العثماني، إذ يشبه مساجد مدينة اسطنبول بمساحة قدرها 2400 متر مربع، مستطيل الشكل، ومبني من الحجر الأبيض والأحمر، وبمنارة واحدة تقع في جهته الغربية.
ويعتبر الجامع الأثر الوحيد الذي بقي إسلاميا من مساجد مدينة فيادوسيا، التي بلغ عددها في القرن السابع عشر الميلادي حوالي 60 مسجدا، كما ذكر الرحالة التركي الشهير أوليا شلبي الذي زار المدينة عام 1665م، ووصف جمال المسجد وأبوابه وسجل الكتابات التي حفرت على جدرانه باللغة العربية.
وقد حدثني بعض كبار السن عن أجدادهم أنه كان للمسجد توأم في الجهة المقابلة للشارع الذي يقع فيه جامع المفتي، وهذا ماوجدته في كتب الرحالة الروس والأوربيون الذين زاروا مدينة "كِفا" ووصفوا مساجدها، وذكروا أيضا أنه كان أمام باحة المسجد عدة قبور؛ وهذا في القرنين 17 و18 الميلاديين، وهي الآن مندثرة.
خضع مبنى المسجد للترميم عام 1975م،من قبل علماء آثار من كييف والقرم، وأعيد إليه بعض معالم العمارة الإسلامية التي طمست فيه، وأزيلت بعض إضافات الكنيسة عليه.
ومنذ العام 1998م أصبحت تقام فيه صلاة الجمعة والصلوات اليومية، والمسجد يتبع اليوم للإدارة الدينية لمسلمي القرم، ويعتبر مبناه ضمن مجموعة المعالم الأثرية التذكارية الوطنية لمدينة فيادوسيا.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022