محمد صفوان جولاق – رئيس التحرير
قلبت الأزمة حال الأوكرانيين بما حملته -ولا تزال- من أحداث، فصارت أبرز عنوان لأحاديثهم، ومحورا رئيسيا لنقاشات حاضرهم ومستقبلهم، بعد أن كانت اللامبالاة والتشاؤم سمتا للكثيرين منهم.
روح احتجاجات الميدان المطالبة بالتقارب مع أوروبا في العاصمة كييف، ومشاهد العنف والقتل التي تخللتها وتلتها، ثم ضم إقليم القرم إلى روسيا والمواجهات مع الانفصاليين الموالين لها، والتهديد الروسي المحتمل بغزوها، كانت بجملتها عوامل أحيت "الحس الوطني" لدى الأوكرانيين من جديد، وجعلتهم أكثر اهتماما بالأحداث التي تشهدها البلاد، كما يعتبر خبراء اجتماع.
"المجد لأوكرانيا.. المجد للأبطال" لم يعد مجرد هتاف، بل أصبح عبارة سلام بين الكثير من الأوكرانيين في العاصمة كييف وغيرها من مدن وسط وغرب البلاد التي أيدت الاحتجاجات.
وفي المدن أيضا، تنتشر الشعارات والأعلام الأوكرانية على المعاصم والحقائب والمركبات وحتى الشرفات، بالإضافة إلى انتشار الحملات الإعلامية والاجتماعية التي تدعو إلى الوحدة والفخر والاعتزاز بالهوية واستقلال الإرادة.
حملات الشباب
ولفئة الشباب أكبر النصيب في حملات وأعمال تطوعية مستمرة أطلقوها "حبا لبلادهم ورغبة في الدفاع عنها" كما يقولون، وهي حملات وأعمال لم تعد تقتصر على الجوانب الثقافية الخدمية كما بدأت، بل باتت تشمل كذلك مجالات التوعية السياسية والاقتصادية والثقافية، وحتى مجال التبرع أو التطوع للقتال ضد الانفصاليين في شرق البلاد.
أوليغ فنان تشكيلي، يقف في ميدان الاستقلال وسط كييف، ليرسم لوحات تعبر عن حزن مستمر يبقى حاضرا حتى اليوم في جميع جنبات المكان، وليصنع مجدا لمن ضحوا من أجل مستقبل الأوكرانيين وقلبوا حياتهم، كما قال.
وأوكسانا شابة تقف في أحد المجمعات التجارية، تشارك في حملة لجمع تبرعات موجهة إلى القوات الأوكرانية المشاركة في العمليات القتالية ضد الانفصاليين؛ قالت إنها تستشعر "الوطنية" بمشاركتها، معتبرة أن تفاعل العامة مع الحملة يعبر أيضا عن حب الأوكرانيين لوطنهم أيضا.
أما فيتالي فمتطوع في حملة واسعة لطلاء جسور كييف بألوان العلم الأوكراني اعتمادا على تبرعات المارة، وهي حملة للتأكيد على هوية أوكرانيا وسيادة ووحدة أراضيها، رغما عن روسيا التي تهددها، كما يقول.
استقلال جديد
لم تشهده أوكرانيا منذ الاستقلال عام 1991 ما تشهده اليوم، ويكثر الحديث في أوساطها الشعبية والسياسية عن "استقلال جديد" ستناله من روسيا التي تأزمت معظم العلاقات معها، لاسيما بعد أن ضمت القرم ودعمت الانفصاليين.
فولوديمير آرييف، مستشار الرئيس بيترو بوروشينكو والنائب عن حزب الوطن "باتكيفشينا"، قال: "استقلال أوكرانيا عام 1991 منح لها على طبق من ذهب، لكنه لم يكن حقيقيا، وكان ثمنه الولاء لروسيا، التي كانت تتحكم دائما بإرادة الأوكرانيين، وتضغط عليهم".
واعتبر أن روسيا خلعت "قناع الأخوة"، وباتت بعين الأوكرانيين عدوا، وأن أوكرانيا اليوم تقدم التضحيات لنيل استقلال جديد فعلي عنها.
سيرهي (78 عاما) مواطن أوكراني، يقول إنه لم يتخيل أن يأتي يوم يدافع فيه الغرب عن أوكرانيا ضد روسيا الشقيقة، على عكس ما كان عليه الحال في القرن الماضي؛ مضيفا أن الأوكرانيين اليوم لا يعانون من النازية الألمانية، بل من خطر وفاشية القيادة الروسية، على حد وصفه.
التهديد الروسي
لكن للتهديد الروسي جوانب إيجابية يرى الخبراء أثرها في المجتمع، ويؤكد بعضهم على أهميتها للخروج من الأزمة وتحقيق النصر.
أوليكساندرا ماتشينكو أستاذة علم الاجتماع في جامعة "تاراس شيفتشنكو" بالعاصمة كييف، قالت: "التهديد الروسي فعل ما لم تفعله الثورة البرتقالية العارمة عام 2004، لأنه أحيا الحس الوطني لدى الأوكرانيين، وجعلهم يشعرون بالخطر على الهوية والأرض والمستقبل".
واستشهدت ماتشينكو بتطوع نحو 40 ألف شخص في جهاز "الحرس الوطني" الذي أعلن عن تشكيله مجلس الأمن والدفاع القومي قبل أشهر لمواجهة أي عدوان روسي محتمل على البلاد، معتبرة أن هذه "أعداد كبيرة تدل على روح الوطنية التي لم تمت".
لكن ماتشينكو لفتت إلى شريحة مغايرة برز فيها الحس الوطني الموالي لروسيا، استنادا إلى الارتباط معها بالتاريخ والثقافة والاقتصاد والمجتمع، وخاصة في القرم وأقاليم ومدن شرق البلاد، لكنها رأت أن نسبتها لا تتعد 5-10%، وأن وسائل الإعلام الروسية تضخمها وتدعمها لأهداف تخدم سلطات بلادها.
وقالت: "روسيا باتت عدوة بنظر الكثير من الأوكرانيين، ولكن ما قامت به سلطاتها أحيا فيهم حب الوطن والانتماء له، الأمر الذي غاب بسبب الانشغال بالعمل والكسب والدراسة فقط، أو عدم المبالاة واستشعار المسؤولية، وكذلك لعدم توقع أي عدوان، والتاريخ يؤكد أن النصر في النهاية حليف للوطنيين أصحاب الحقوق وطلابها"، على حد قولها.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022