محمد صفوان جولاق – رئيس التحرير
ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي اقتصادا يرتبط ارتباطا وثيقا بشقيقتها روسيا، فالكثير من الصناعات الثقيلة الاستراتيجية مشتركة بين الجانبين، كالطيران والفضاء والمعادان وحتى السلاح، وحدود وأسواق كل جانب رئيسية لتصدير وبيع بضائع ومنتجات الجانب الآخر.
ولعل الغاز هو أكبر ارتباط يطرح عند الحديث عن الشراكة بين اقتصاد البلدين، فأوكرانيا تستورد 70% تقريبا من حاجتها للغاز من روسيا (نحو 42 مليار متر مكعب سنويا)، وعبر شبكات أراضيها تنقل روسيا الغاز إلى أسواق التصدير في أوروبا.
إلا أن "الأخوة" تحولت إلى "عداوة" غير معلنة بين روسيا وأوكرانيا بعد الثورة البرتقالية التي أوصلت الموالين للغرب إلى سدة الحكم في 2004، فأوقفت موسكو إمدادات الغاز عن أوكرانيا وأوروبا، ثم زادت أسعاره بنسبة قاربت 300% في 2009 (نحو 450 دولار عن كل ألف متر مكعب)، لتنهك الاقتصاد بأعباء يئن من وطأتها حتى اليوم.
البحث عن البدائل
واستمر الضغوطات الروسية على أوكرانيا حتى بعد عودة الموالين لها في العام 2010، الذين استمروا -كسابقيهم-بمساعي الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، بعد أن رفضت موسكو خفض أسعار الغاز، وتحولت إلى نقله عبر خطي "التيار الشمالي والجنوبي"، الذين يتجاوزا الأراضي الأوكرانية.
وهنا ترى فيرونيكا موفتشان الخبيرة في مركز الدراسات الاقتصادية بالعاصمة كييف أن النظام تحرك جديا لإنتاج الغاز محليا، بتوقيع اتفاقيات تنقيب مع شركات "شل" و"شيفرون"، وببحث استيراده من دول مصدرة أخرى، ككازاخستان وقطر، لكنه لم يحقق أية نجاحات ملموسة حتى الآن.
وتشير إلى أن النظام الأوكراني كان مضطرا للبحث بدائل تخفف اعتماد اقتصاده على حدود وأسواق روسيا، فكان من أبرز خياراته الاتحاد الأوروبي، والصين التي تعد ثاني أكبر شريك اقتصادي لأوكرانيا بعد روسيا.
الشراكة مع أوروبا
مساعي شراكة أوكرانيا مع أوروبا طرحت الكثير من التساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأوكراني على ترك الحضن الروسي، ودفعت موسكو لزيادة الضغط عليه، بغلق حدودها أمام مرور 80% من البضائع الأوكرانية.
النائب البرلماني السابق والخبير الاقتصادي يفهين دوبرياك قال لنا إن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي -التي جمدها نظام الرئيس يانوكوفيتش قبل نحو شهر- كانت ستفتح أسواق دول الاتحاد بحرية أمام المنتجات الأوكرانية، وهي أسواق أوسع من نظيراتها في الشرق، حيث الدخل المحدود.
وأضاف أن أوكرانيا تسعى إلى تنويع مصادر وارداتها، وخاصة من الغاز، وإلى فتح أسواق جديدة في الغرب، الأمر الذي سيضعف هيمنة روسيا على سياساتها واقتصادها.
وذهب النائب عن حزب الوطن المعارض سيرهي سوبوليف إلى أبعد من ذلك، فاعتبر أن الضغوطات الاقتصادية الروسية أقل من الحجم الذي يتم الحديث عنه، وأن أوكرانيا ترتبط بعلاقات واسعة مع الاتحاد الأوروبي.
وأشار في هذا الصدد إلى إن حجم التبادل التجاري مع روسيا يبلغ 63 مليار دولار، بينما يبلغ حجم التبادل مع أوروبا 50 مليار دولار.
لكن أندريه يرمولايف رئيس مركز "صوفيا" للدراسات الاقتصادية اعتبر أن البديل الأوروبي كان "مجازفة كبيرة" بالنسبة لأوكرانيا، لأن ملامحه لم تكن واضحة كالسراب، ولأنه بداية علاقات من الصفر، في حين أن العلاقات الأوكرانية الروسية قائمة منذ عقود، ولا تقتصر على الاقتصاد فقط.
واعتبر يرمولايف أن "التحرر" الذي ينشده الاقتصاد الأوكراني صعب التحقيق على المدى القصير، فهو اليوم مدين أكثر لروسيا، بعد أن خفضت أسعار الغاز مؤخرا إلى نحو 268 دولار عن كل ألف متر مكعب، ودعمته بـ15 مليار دولار على شكل سندات مالية، ناهيك عن الديون السابقة التي تقدر بنحو 30 مليار دولار.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022