هناك تقديرات غربية جادة تتحدث عن أكثر من مئة ألف عسكرى روسى على الحدود الروسية الأوكرانية. وفي أقل من أسبوعين حدثت تحركات أوروبية كلها تدور حول أوكرانيا.
بريطانيا أعلنت أنها ستبيع لأوكرانيا نوعًا متقدمًا من الصواريخ. وفرنسا أعلنت عن دور في الدفاع عن وحدة أوكرانيا. والأهم، أن ألمانيا جمدت اتفاق (Nord Stream 2). وقبل كل ذلك كانت هناك زيارة أمريكية رفيعة المستوى إلى أوكرانيا.
القلق الغربي ليس من اجتياح روسي بالمعنى التقليدي لأوكرانيا، ولكن من تطورات تصمم ثم تصنع على الأرض، تصل الأمور بمقتضاها إلى سيطرة روسية على أجزاء من شرق أوكرانيا، وتلك منطقة ذات قرب ثقافي كبير من روسيا.
السؤال الكبير هو: ماذا يمكن أن يفعل الغرب إذا تحركت روسيا نحو أوكرانيا؟
هناك عدد من الديناميكيات:
1- أي رد أوروبي لا بد أن يكون متحدًا في الهدف والأسلوب. اتحاد الهدف يعني أن تكون أوروبا متفقة على ماذا ستريد بالضبط من روسيا.
اتحاد الأسلوب يعني أن تكون أوروبا متفقة على درجة استخدام الضغط الاقتصادي على روسيا.
لكن مثل هذا الاتحاد غير واضح، وحتى أسابيع قليلة كانت الصورة عن روسيا مختلفة تمامًا من عاصمة لأخرى. فمثلًا بينما كانت لندن شديدة الحزم تجاه موسكو، كانت برلين وراء الاتفاق الألمانى الروسى حول الغاز.
2- إذا حدث تحرك روسى، أوروبا ستكون وحيدة إذا قررت مواجهة روسيا إستراتيجيًّا – بإستخدام وسائل ضغط مختلفة على روسيا.
ذلك لأن أمريكا تركز بشكل واضح على مواجهتها الإستراتيجية القادمة مع الصين، ولا تريد الدخول في أى صراعات تلهيها عن المسرح الآسيوي الكبير، وخاصة مسرح شرق آسيا وهو أهم ميادين تلك المواجهة الإستراتيجية الأمريكية الصينية.
وذلك بدا شديد الوضوح في الانسحاب الأمريكى من أفغانستان بأى شكل وبأسرع وقت، كما هو باد في التغيرات التي تجريها أمريكا الآن في درجات وأنواع وجودها في الشرق الأوسط. معنى ذلك أن أمريكا لا شك ستكون مع أوروبا في بعض النقاط الاقتصادية واللوجستية، وطبعًا في إقرار عقوبات إذا حدث تقدم روسى نحو أوكرانيا. لكن أمريكا لن تقود الرد الغربى في هذا الأمر.
3- هناك تقدير أمريكي معروف في دوائر الشؤون الدولية أنه على أوروبا أن تتحمل مسئوليات أكبر بكثير في الحساب الإستراتيجى الغربى.
والقول في واشنطن إنها لا تطلب من أوروبا التزامات كبرى في مناطق بعيدة عنها – فقط أن تكون في صدارة المواقف المتعلقة بالجوار الأوروبى، سواء شرقًا (وهناك الحدود مع روسيا) وجنوبًا (وهناك شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط).
4- علاقة أوروبا بالجوار، سواء في الشرق أو في الجنوب، معقدة. ذلك لأن أمريكا دائمًا تقدم العوامل الإستراتيجية على غيرها. بينما طبيعة السياسة الأوروبية (خاصة في دول غرب أوروبا شديدة الثراء والتى ابتعدت مجتمعاتها لدرجات كبيرة جدًّا عن الحروب والمواجهات) تقدم العوامل الاقتصادية على غيرها.
لذلك، فبينما أمريكا تتحدث عن التواجد العسكري الروسي في الشرق، أوروبا معنية جدًّا بموجات الهجرة (و أغلبها عربية) القادمة نحو الحدود البولندية والليتوانية، والتى تراها وسائل ضغط عليها من دول قريبة من روسيا.
5- الحساب الروسى صعب التقدير، خاصة أن من يعرفون في روسيا لا يتحدثون، وأغلب من يتحدثون عن روسيا في الغرب – خاصة في أوروبا – لا يعرفون.
لكن من المؤكد أن روسيا تنظر للذهاب الأمريكى إلى آسيا – والى شرق آسيا خاصة – بارتياح.
لكن السؤال المطروح: هل ترى روسيا في ذلك الذهاب فرصة لتوسيع منطقة نفوذها وتحريك حدودها مع أوروبا؟
6- ذلك المسرح بعيد عن الصين. لكن الصين (وهي المراقب بدقة للجغرافيا والدارس المتعمق للتاريخ) تترقب ما سيجري على الحدود الأوكرانية، وتنظر في أي نقاط ستدخلها في حساباتها وتقديراتها، للمواجهة الإستراتيجية الكبرى، التي هي على أبوابها.
لذلك، فبالرغم من أن أوكرانيا بعيدة عنا، إلا أن تحركات اللاعبين الكبار على مسرح الأحداث هناك دالّ ومهم؛ لأنها داخلة في ديناميكيات أهم الصراعات الإستراتيجية العالمية الآن.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
المال
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022