خطوة حاسمة أخرى اتخذتها موسكو نحو التكامل الاقتصادي مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد في شرق أوكرانيا، بعد أن وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 نوفمبر/تشرين الأول 2021 مرسوما بشأن تقديم الدعم الإنساني لسكان الجمهوريتين، في أول ردود الفعل على التصعيد العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في حوض البحر الأسود.
وهذا هو أخطر تحول في السنوات الأخيرة، يرى الكرملين فيه طريقة للخروج من المأزق الذي نشأ في دونباس، وبسبب ما تعتبره رفض سلطات كييف الامتثال لاتفاقيات مينسك (الخاصة بوقف إطلاق النار شرقي أوكرانيا، وإقامة منطقة عازلة، وسحب الأسلحة الثقيلة)، وردا قويا على عدم التزام الاتحاد الأوروبي ببروتوكول إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، وبشكل أو بآخر: أول ردود الفعل على التصعيد العسكري الذي أثارته الولايات المتحدة وحلفاؤها في حوض البحر الأسود.
ويسمح مرسوم بوتين بعمليات تسليم غير محدودة لمنتجات المقاطعتين إلى السوق الروسية، والمشاركة في مشتريات الدولة في الاتحاد الروسي.
وحرص المرسوم على الإشارة إلى أن القرار اتخذ بسبب بالحصار الاقتصادي المستمر والوضع السيئ الذي نشأ في دونباس ولوغانسك، نتيجة لوباء فيروس كورونا.
ويأتي توقيت المرسوم الرئاسي الذي احتجت عليه أوكرانيا، ليطرح تساؤلات حول أهدافها وصلتها بالتطورات الأخيرة في الإقليم المضطرب، وعلى رأسها المناورات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها في حوض البحر الأسود، والتي رأت موسكو أنها استفزازية.
دعم اقتصادي
وفي هذا السياق، يرى الباحث في الشؤون الدولية ديمتري بابيتش أن الهدف المباشر لمرسوم بوتين هو دعم الجمهوريتين الانفصاليتين اقتصاديا، لمواجهة العقوبات والحصار المفروض عليهما من قبل أوكرانيا.
واعتبر بابيتش -في حديث للجزيرة نت- أن قرار الكرملين جاء في نفس الوقت ردا غير مباشر على المناورات التي أجرتها واشنطن في البحر الأسود، ورسالة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بأن موسكو لا تنوي تحت أية ظروف إحداث تغييرات في سياستها، أيا تكن طبيعة الضغوط وحجمها.
كما أعرب عن اعتقاده أن الكرملين لم يعد يؤمن بأوهام التفاهم مع الغرب، خصوصا بعد سقوط الرهان على التحسن ولو الطفيف الذي قد يطرأ على العلاقات مع واشنطن بعد خسارة دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، مضيفا أن ثمة مؤشرات على تحول روسيا من سياسة "الدفاع الصلب" إلى "الهجوم الناعم" المضاد.
وتابع أن صناع القرار في موسكو أصبحوا أكثر يقينا بأن الغرب تخلى تماما عن سياسة الحلول الوسط، كما بدا جليا خلال الأحداث الأخيرة في بيلاروسيا، حيث جرى تنصيب رئيس للبلاد "عن بعد"، ووضعت البلاد أمام شبح الحرب الأهلية، رغم توفر الإمكانات آنذاك للضغط على الرئيس ألكسندر لوكاشينكو للقيام بإصلاحات ديمقراطية، كما كانت تدعو واشنطن.
وإذ يؤكد بابيتش على عدم رغبة روسيا في انضمام إقليمي دونيتسك ولوغانسك إليها، فإنه يرجّح مع ذلك انضمامها في نهاية المطاف إلى الاتحاد الروسي، رغم المتاعب التي سيسببها ذلك للكرملين والتأثيرات التي سيحملها على المصالح الروسية خارج الحدود.
أمام الأمر الواقع
أما المحلل السياسي للشؤون الدولية فاديم يلفيموف، فوصف قرار بوتين بالحل السلمي الأمثل للصراع في أوكرانيا، من خلال إجراءات تقلل من كاهل العقوبات المفروضة على لوغانسك ودونيتسك، وفي نفس الوقت "تحييد" مساعي كييف في "عسكرة" البحر الأسود أو التسبب بصدام روسي أميركي في حوضه.
وأضاف أن مساهمة موسكو في الانتعاش الاقتصادي والتطور داخل الجمهوريتين الانفصاليتين، سيشكل بداية النهاية للحكومة التابعة للغرب في كييف، وسيؤدي لتعاطف وتفهم "العقلاء" في أوكرانيا لضرورة نزع فتيل الأزمة مع روسيا، ومنع وقوع أي صدام عسكري بين الجانبين.
وأوضح كذلك أن "أكثر من 7 سنوات من الحرب في شرق أوكرانيا كانت أكثر من كافية تماما لتظهر حالة الإرهاق التي وصلت إليها كييف"، متابعا أن أوكرانيا التي لم تحارب بمفردها مرة واحدة في تاريخها، عجزت في الصراع الحالي عن إحداث اختلال في موازين القوى وقواعد الاشتباك لصالحها، حتى بمساعدة الغرب.
وختم بأن المرسوم الموقع يضع حدا للأوضاع المعلقة في المنطقة، ويدعم التغيرات الاقتصادية الجادة التي حدثت مؤخرا هناك، وهي إنشاء أنظمة إدارة الإنتاج والبنية التحتية وفقا للنماذج الروسية.
جذور الأزمة
ومنذ نحو 7 سنوات، تعيش العلاقات الروسية الأوكرانية أكثر مراحلها توترا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991. ومن شأن التكامل الاقتصادي بين روسيا وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك أن يؤدي لتأثيرات سلبية اقتصادية ومعنوية على السلطات في كييف.
وتعود جذور الأزمة الحالية إلى ثورة الميدان في العاصمة الأوكرانية، التي أدت لانقسام على مستوى المؤسسات والشارع بين مؤيدين لروسيا، وموالين للاتحاد الأوروبي.
وتفاعلت الأزمة لتؤدي إلى ما أصبح يعرف بحرب الاستفتاءات، حيث أدى استفتاء عام 2014 في شبه جزيرة القرم إلى انضمامه لروسيا، وسط معارضة حادة من أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.
أما في دونيتسك ودونباس، فقد تطورت الاحتجاجات ضد السلطات الجديدة في كييف إلى نزاع مسلح، بدأ بسيطرة مسلحين على مباني إدارة الدولة، وفشل المفاوضات مع السلطات المركزية لحل قضية مكانة اللغة الروسية، وإصلاح دستوري يؤدي إلى لامركزية الأقاليم وصولا إلى الحكم الذاتي.
وككرة الثلج، تدحرجت الأزمة إلى نزاع مسلح، قبل أن تعلن كل من دونيتسك ولوغانسك انفصالهما عن أوكرانيا، وتبدآ حربا معها.
ولا تعترف موسكو بالجمهوريتين الانفصاليتين، لكن مسؤولين روسا أكدوا أكثر من مرة أن بلادهم قد تتدخل لمساعدة سكان الإقليمين الناطقين باللغة الروسية.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022