أظهرت الأيام الأخيرة حدوث تصعيد فى التوتر العسكرى بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية استخدام أوكرانيا للطائرات المسيرة من طراز بيراكتار التركية الصنع، والتى حصلت عليها أوكرانيا مؤخراً.
ورغم تنصل تركيا من أى مسئولية فيما يتعلق بهذه الطائرات عندما صرح الرئيس التركى بأنه غير مسئول عن استخدام الطائرات، لكن الذى لا شك فيه أن استخدام الطائرات في نزاع الدونباس بشرق أوكرانيا قد أثار حفيظة روسيا التي ترى أن النزاع الحالى أصبح بؤرة للاستقطاب العسكرى، وفى المستقبل للاستنزاف.
استغلت الولايات المتحدة حادث استخدام الطائرات المسيرة لأول مرة فى النزاع بشرق أوكرانيا، وربما أرادت أن تمنع روسيا من القيام بعمل انتقامي ضد أوكرانيا، أو لإظهار مدى قوة تحالفها مع أوكرانيا، ومن الممكن أن تكون هى نفسها تخشى حدوث مصالحة بين روسيا وأوكرانيا على خلفية أزمة الغاز الحالية، بعد توقيع غازبروم الروسية عقدًا طويل الأجل نسبياً مع مولدوفا وبسعر نصف سعر السوق العالمى تقريباً، أعلنت الولايات المتحدة وعن طريق صحيفة “الواشنطن بوست” عن حشود روسية ضخمة مكونة من دبابات وقاذفات صواريخ اتجهت بكثافة إلى منطقة الحدود الروسية الأوكرانية.
سفن حربية
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأرادت الولايات المتحدة أن تسكب الزيت على النار، فأدخلت بعض السفن الحربية إلى البحر الأسود، وأعلنت وسائل الإعلام الأمريكية أن القوات الروسية احتشدت أعداد كبيرة كتلك التى أجرت مناورات فى الربيع الماضى عند الحدود الأوكرانية، وأعلنت الولايات المتحدة عن دخول بعض قطع الأسطول السادس إلى البحر الأسود، وأعلن على موقع الأسطول الأمريكى أن ما حدث هو فى إطار الدوريات المعتادة، وتدعم سفن الأسطول طائرات استطلاع وعدة طائرات من طراز إف ـ 15.
وفسر الجانب الأمريكى وجود بعض قطع الأسطول فى البحر الأسود أنه شيء طبيعى للعمل مع الدول الأعضاء فى حلف الناتو المطلة على البحر الأسود، وكذلك شركاء الحلف مثل أوكرانيا والحفاظ على حرية الملاحة فى المياه الدولية للبحر الأسود، وهنا المقصود مضيف كيرتش، وهنا الأمر يمس أوكرانيا التى على نزاع مع روسيا فيما يتعلق بمضيق كيرتش، وسبق أن حدث صدام بين كييف وموسكو فى هذا المضيق.
روسيا تحشد
حشد روسيا لقواتها كما يدعى الناتو أرجعته الصحف الغربية والأمريكية لسببين الأول هو تدهور العلاقات بين روسيا والناتو، وصل الأمر لقطع العلاقات الدبلوماسية نهائياً، والثاني هو استخدام أوكرانيا للطائرات المسيرة، وهو ما فسره البعض هنا بأن أوكرانيا تريد إخضاع المقاطعات المتمردة فى شرق البلاد عن طريق الحرب الأمر الذي من الممكن أن تكون له آثار سلبية على روسيا التى ستجد نفسها مضطرة للمشاركة فى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حيث إن النزاع في الدونباس داخلى أوكراني ـ أوكراني.
كما أن السكرتير الصحفى للرئيس الروسى دميتري بيسكوف صرح بأنه ليست هناك قوات على الحدود مع أوكرانيا، وأن من حق روسيا تحريك قواتها على أراضيها كما تشاء، وليست هناك أى نوايا لدى روسيا للقيام بعمليات عسكرية ضد أوكرانيا.
وكما ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الواسعة الانتشار فى روسيا والتى تحسب على التيار الليبرالى، أن الأمور ليست كما تصورها واشنطن فى وسائل إعلامها وتستدل الصحيفة على ذلك بردود الفعل الروسية الهادئة بل والدبلوماسية لأبعد الحدود على استخدام أوكرانيا للمسيرات التركية ضد مواقع في دونيتسك.
ليست هناك مصلحة لروسيا أو لدونيتسك كحليفة لروسيا فى قيام حرب ومواجهة مع أوكرانيا، بالنسبة لروسيا لم يبق الكثير على حصول الأخيرة على التراخيص المطلوبة لتشغيل خط الأنابيب السيل الشمالى ـ 2، كما أنها قبل بدء موسم التدفئة تطمح موسكو لتوقيع عقود غاز طويلة الأجل نسبياً مع الدول الأوروبية وبالأسعار الحالية المرتفعة.
من هنا فإن موسكو لا ترغب فى أى شيء يعكر صفو الأرباح التى ستجنيها من ارتفاع أسعار الغاز وخلو أماكن التخزين من أى احتياطيات، وإلا ستتعرض روسيا لموجة جديدة من العقوبات ودعوات لعزل المعتدى، وقد تلجأ دول أوروبية لاستخدام الغاز الأمريكى مثل بولندا ولاتفيا، الأمريكيون يعرفون جيداً أن روسيا لن تقوم بأى عدوان ولكنهم يرغبون فى مجاملة أوكرانيا بإرسال قطع بحرية وجوية وكأنها لدعم كييف فى حين هم يعرفون جيداً أن ذلك لن يحدث للأسباب التي ذكرتها.
وأخيراً ترغب أوكرانيا ربما فى صرف أنظار الشعب عن المشاكل الداخلية الكثيرة من الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى أزمة كورونا بكل ما ترتب عليها.
العقيدة العسكرية
لكن الولايات المتحدة فى نفس الوقت أجرت بعض التعديلات على العقيدة العسكرية، لماذا ولمصلحة من لا أدرى، ففيما يتعلق بروسيا كانت قد أقرت عقيدة عسكرية لا تسمح لها باستخدام الاسلحة النووية أولاً، تنص العقيدة العسكرية الروسية التى ظلت عند مستوى رد الفعل، ففى المادة 27 من العقيدة العسكرية الروسية هناك نص واضح وتم تجديده عام 2014 وهو “أن روسيا لديها حق فى استخدام الأسلحة النووية كرد على استخدام أسلحة نووية أو أى سلاح دمار شامل ضدها أو ضد أحد حلفائها، أو فى حالة العدوان على روسيا بأسلحة تقليدية مما يعرض وجود الدولة للخطر”
لكن فى نهاية أكتوبر الماضى نقلت صحيفة الفايننشال تايمز عن أحد المصادر، أن حلفاء الولايات المتحدة بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا واليابان طلبوا من الرئيس الأمريكى جو بايدن عدم تغيير السياسة النووية الحالية وعدم الانتقال إلى مبدأ عدم استخدام السلاح النووى أولاً، فهذا من الممكن أن ينهى استراتيجية الردع الموجهة ضد روسيا والصين”.
وذهبت وزيرة الدفاع الألمانية أنجريت كرامب كارينبوير لأبعد من ذلك عندما صرحت فى شهر أكتوبر الماضى بأنه “على حلف الناتو أن يظهر استعداده لاستخدام القوة ضد روسيا كرد على التهديدات الروسية للحلف، وكما أوضحت الوزيرة الألمانية إن هذا يجب أن يكون أمرا واقعا لكى لا يفكر أحد فى العدوان على أى من أعضاء الناتو فى حوض البحر الأسود أو فى بحر البلطيق”.
على أى حال الأمور الآن فى مرحلة التشاور حالياً سواء داخل الولايات المتحدة أو بين الحلفاء، آراء الحلفاء أصبحت معروفة من خلال ردود فعل الحلفاء مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا، ونقلت وسائل الإعلام عن رئيس الأركان الأمريكى إن الهدف من تغيير العقيدة العسكرية هو مواجهة كل من روسيا والصين خلال الفترة من 2030 ـ 2040 وما بعدها، التصور الجديد يجب أن يكون جاهزاً فى نهاية العام الجارى 2021.
التصور الجديد يضع أمام البنتاجون استراتيجية جديدة تشمل الحرب فى البر والبحر والجو، بالإضافة إلى الفضاء والفضاء الافتراضي (السيبراني)، كما يخطط الأمريكيون لتسهيل تبادل المعلومات بين مختلف أفرع القوات المسلحة فى أرض المعركة، باختصار تريد واشنطن إحداث نقلة نوعية فى طريقة الحرب من الممكن أن نطلق عليها الحرب الحديثة أو حرب المستقبل.
صراع جيوسياسي
كانت هذه خلفية التوترات بين واشنطن وموسكو، والأسباب عديدة، فهناك صراع جيوسياسى بين القطبين الأقوى عسكرياً فى العالم على مناطق النفوذ، روسيا تريد أن تحظى بجزء من كعكة ما بعد الحرب الباردة، وواشنطن تسعى فى نفس الوقت للانفراد بانتصارها فى الحرب الباردة بمفردها.
أما فيما يتعلق بالصين والصراع الآن حول تايوان فهى لا أكثر من مشاغبات لإعاقة بكين عن الصعود السريع ومنافسة الولايات المتحدة. فى نفس الوقت الذى تحاول فيه القيادة الصينية أن تكون مستقلة عن روسيا فى صراعها مع الولايات وتكتفى فقط بالتنسيق مع روسيا فى المحافل الدولية مثل مجلس الأمن حول قضايا إقليمية.
لكن الذى لا شك فيه أن هناك حالة توتر وتصعيد تحاول من خلاله واشنطن إحداث صدام بين روسيا وأوكرانيا بأى ذريعة، لأن ذلك سيهدم خطط موسكو فيما يتعلق بالاستفادة من أسعار الغاز المرتفعة، الأمر الذي سيتيح للولايات المتحدة بالانفراد بأوروبا كمصدر وحيد للطاقة فى أواخر عصر الطاقة الأحفورية التي أثق تماماً فى أن أوروبا ستسعى بكل الوسائل للإسراع بإيجاد مصادر بديلة للطاقة الخضراء أو المتجددة.
وزيارة رئيس المخابرات الأمريكية لموسكو ولقائه بنظيره الروسي ربما يكون الهدف منها التهدئة من ناحية، ومن ناحية أخرى التنسيق بين الجانبين حتى لا تحدث أخطاء قد تؤدى لصدام عسكرى فى البحر الأسود أو بحر البلطيق أو مع الناتو أو صدام بين روسيا وأوكرانيا على الحدود بينهما، قد يفشل خطط موسكو فى الاستفادة من أزمة الطاقة الحالية لأقصى درجة قبل أن يتحول العالم إلى أنواع جديدة من مصادر الطاقة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
جريدة الأهالي المصرية
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022