د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة
صدرت أول جريدة دورية في روسيا في يناير من عام 1703م في عهد القيصر بطرس الأول (1672- 1725م)، وقد أدرك المسلمون التتار أهمية الصحافة وحاولوا مرات عدة (على مدار قرنين) الحصول على إذن بإصدار صحيفة رسمية بلغتهم، وقد كان للمصلح والسياسي والصحفي والمفكر القرمي إسماعيل غسبرينسكي (1851-1914م) تجارب عديدة في الإصدارات الصحفية الدورية، منها ما كتب له النجاح ومنها ما لم يعمر طويلا، بداية من عام 1879م بإصداره مجلة (الوقت المفيد)، ثم مجلة (القانون) و (شفق) عام 1881م، وكان أنجحها وأشهرها جريدة "ترجمان".
"ترجمان": جريدة ثقافية منوعة حررت باللغتين الروسية والتترية القريبة للعثمانية، وقد حصل غسبرنسكي على ترخيص رسمي لإصدارها بعد عدة محاولات فاشلة منذ العام 1879م، فكان ظهورعددها الأول رسميا في 10 أبريل عام 1883م بمدينة بغجه سراي في وسط القرم.
وساهم كل من زوجته ووالدته في مساعدته ماديا لتأسيس المطبعة وإصدار الجريدة، وظلت تصدر لمدة 35 عاما (1883-1918م)، وكانت تصدر مرتين ثم ثلاث مرات أسبوعيا، ومع 1912م أصبحت يومية وكانت تصدر بـ12 صفحة.
وقد كتب غسبرنسكي عام 1879م على صفحة أول جريدة باللغة التركية تصدر على الأراضي الروسية "زيّا القفقاس" (1879-1884م) في مدينة تيفليس (تبليسي): "يجب أن يكون لكل أمة منبرها الخاص الذي تستطيع من خلاله مناقشة مشكلاتها"، وكتب أيضا " الأمة بدون صحافة أو مطبوعات كالرجل الأصم والأبكم".
وإذا كانت الأعداد الأولى من الجريدة أسبوعية طبعت بواقع بنحو 300 نسخة، فإنه في السنوات اللاحقة ارتفع هذا العدد حتى وصل إلى 25 ألفاً، وفي عام 1905م بدّل غسبرنسكي تسميتها إلى "ترجمان أحوال الزمان"، وبعد وفاته عام 1914م استمرت "ترجمان" بالصدور بإدارة ابنه رفعت.
تعد "ترجمان" من أشهر الجرائد في العالم الإسلامي، وزّعت أعدادها في دول إسلامية عديدة من ألبانيا إلى الصين مرورا بتركيا ومصر وإيران وتركستان ومدن آسيا الوسطى والقوقاز ورومانيا وبلغاريا، وكانت مصدر معلومات عن مسلمي القرم وروسيا لعديد للصحف في تلك البلدان، وظلت حتى العام 1905م الوحيدة التي تصدر بالتترية في روسيا، حملت أخبار العالم الإسلامي، وعكست حال مسلمي روسيا، وناقشت مواضيع ومشاكل التربية والتعليم حتى سمّاها بعضهم (جريدة المعلم)، كما وعرضت للإصدارات الجديدة من الكتب، كما وترجمت العديد من مقالاتها إلى اللغات المحلية.
انتقد غسبرنسكي فيها السياسات الفرنسية والإنكليزية في العالم وخاصة في افريقيا، وتحدث في جريدته عن ثورة الإمام المهدي في السودان، وثورة الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله.
ونقل غسبرنسكي في "ترجمان" بأن الشيخ جمال الدين الأفغاني (1838- 1897م) كان يحرص خلال إقامته في تركيا على الحصول على نسخ من جريدة "ترجمان"، ويناقش مواضيع الجريدة مع أصحابه، وأنّ الأفغاني كذلك قال في أحد مجالسه: "ما رأيت بين جرائد المسلمين جريدة مختصرة ومفيدة وفيها كلام متزن مثل ترجمان".
وفي عام 1887 أصدر غسبرنسكي مجلة (التربية)، ولم يكتب لها النجاح، وتحت عنوان (عالم نسوان) أصدر مجلة عام 1905 بتحرير من ابنته شفيقة، ثم أصدر عام 1906م مجلة مسلية باسم (ها، ها، ها) ثم جريدة الشعب.
وخلال تواجد غسبرنسكي في مصر، بين عامي 1907 و1908، أصدر جريدة النهضة باللغة العربية.
نقل الشيخ محمد رشيد رضا (1865- 1935م) في مجلته المنار عن "ترجمان" بعض أخبار وأحوال المسلمين في روسيا، ومنها مثلا خبر افتتاح مدرسة في باطوم، وقد قال في ذلك: " قرأنا في رفيقتنا (ترجمان) الغراء التي تطبع في القريم ما تعريبه ..".
تعتبر المواد المكتوبة في الجريدة مصدر لتأريخ ظهور الحركات السياسية والفكر الإسلامي في روسيا القيصرية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عكس غسبرنسكي من خلال جريدته اعتزازه بالحضارة الإسلامية، ودعا للارتقاء بالنظام التعليمي والوحدة بين شعوب العالم الإسلامي.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022