يحاول لوكاشينكو من خلال خلق "أزمة هجرة" مع ليتوانيا وبولندا، أن يثبت للمجتمع الدولي ولصديقه بوتين أنه لا يزال قادرا تماما على ممارسة ألعاب جيوسياسية مستقلة، رغم أن موسكو قد ترى بالفعل أنه من المربح الآن استبداله "بدمية أخرى"، أكثر امتثالا للكرملين.
يتفهم الديكتاتور البيلاروسي تماما أن الكرملين يعتبره "سياسيا خارج الخدمة"، وأن بيلاروسيا هي أراضيها، وهي مسألة وقت فقط قبل أن يقرر بوتين أخيرا ما إذا كان سيرسل قوات روسية إلى الأراضي البيلاروسية، أو ببساطة يزيل جهاز المخابرات السوفييتية البيلاروسي، الذي تسيطر عليه موسكو بشكل شبه كامل، لوكاشينكو، مستشهدة بذريعة "تدهور حاد في صحته".
بالنسبة لبوتين، يبدو أن الاستمرار في دعم الشخص الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في بيلاروسيا هو قضية خاسرة تماما، لذا فإن كلا الديكتاتوريين يناوران بشدة حول بعضهما البعض، بحثا عن فرصة لمنع "عدوهم الودود" من تعزيز مواقعه في بيلاروسيا.
من المهم للغاية الآن بالنسبة لبوتين أن يمنع "حليفه المستعصي على الحل" من فرصة الهروب من فخ استحالة استمرار القاعدة غير الشرعية، وأن يضغط عليه حتى النهاية، وبالتالي يفتح الطريق أمام شخص آخر يخدم مصالحه.
اندماج "طوعي"
قامت موسكو على عجل بتحويل بيلاروسيا إلى قاعدة عسكرية، وبدأت مينسك تفقد السيطرة عليها. كما تمكنت روسيا تقريبا من تدمير اللغة البيلاروسية، لدرجة أن السكان محبطون بسبب هذه الضغوط.
الآن سيعتمد الكثير على مدى قدرة معارضة لوكاشينكا على إثبات قدرتها. إذا فقد السيطرة على جزء من بلاده، فقد يؤدي ذلك إلى استفزاز بوتين لاتخاذ إجراء حاسم.
بدأ الدكتاتور البيلاروسي الاندفاع من جانب إلى آخر. وعلى الرغم من أنه تمكن -حتى الآن- من كبح جماح بوتين، بوعوده المتعلقة بالاندماج "الطوعي" مع روسيا، إلا أن الكرملين الآن يطالبه باتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.
تغلغل روسيا
التلميح المباشر إلى أن تأجيل إنشاء دولة اتحاد حقيقي يمكن أن يتسبب في ظهور "رجال خضر" على الأراضي البيلاروسية (على غرار الجنود الروس الذين ظهروا في القرم سنة 2014)، أو جنود روس يرتدون الزي العسكري البيلاروسي، ليقوموا بانقلاب عسكري ضد لوكاشينكو.
هذا ناهيك عن حقيقة أن عملاء FSB تسللوا إلى المعارضة البيلاروسية، وفي الوقت المناسب يمكنهم إثارة احتجاجات أكثر شدة ضد النظام؛ وبعد ذلك سيتعين على لوكاشينكو أن يطلب من موسكو المساعدة العسكرية ونشر القوات.
بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا يغيب عن الأذهان أن "أزمة الهجرة" التي نظمها الدكتاتور عبر حدود ليتوانيا وبولندا لا يمكن أن تكون سوى عملية "إحماء".
لوكاشينكو، الذي يكافح بشدة من أجل حقه في أن يكون رئيسا مدى الحياة ، لديه فرصة أخرى ليثبت لبوتين أنه من المستحسن بقائه في المنصب.
التداعيات على أوكرانيا
في مكان ما، في فصل الخريف، قد تُبذل محاولة في موسكو لفتح "جبهة ثانية" للمواجهة مع أوكرانيا المستعصية على الحل، التي لا تريد -بأي حال- الاستسلام للكرملين.
من خلال إثارة نزاع حدودي على حدود بيلاروسيا مع أوكرانيا، سيبدأ لوكاشينكو محاولات تهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضينا، كما فعل مع ليتوانيا وبولندا.
نزاع تسهل، إذا لزم الأمر، ترجمته إلى مواجهة عسكرية محدودة، أو واسعة النطاق. والكريملين حينها سيكون قادرا على ادعاء أن أوكرانيا هي التي "هاجمت" جارتها بيلاروسيا، التي حاولت لسنوات عديدة الحفاظ على الحياد في الصراع بين الاتحاد الروسي وأوكرانيا.
وبما أن روسيا وبيلاروسيا أقامتا دولة اتحاد، فلا يمكن للاتحاد الروسي ببساطة أن يظل غير مبال بالمواجهة بين مينسك وكييف، وبالتالي، بطبيعة الحال، سيسارع إلى مساعدة "الشعب البيلاروسي الشقيق".
من المهم الآن أن يضعف بوتين الدولة الأوكرانية قدر الإمكان في جميع الاتجاهات الممكنة. والصراع المحتمل بين أوكرانيا وبيلاروسيا لوكاشينكو هو بالضبط ما يحمله الكرملين لنا حتى وقت معين.
تبعية لبوتين
إذا حاول لوكاشينكو قبل "الانتخابات الرئاسية" المزورة العام الماضي الابتعاد عن روسيا بطريقة ما، على الأقل خارجيًا، فهو الآن يعتمد كليا على راعيه السياسي بوتين في كل شيء.
بعد "الانتخابات" في عام 2020، أصبح "الرئيس" لوكاشينكو تابعا تماما لبوتين، وهذا هو السبب في أنه يضحك ويردد اتهامات بوتين السخيفة لأوكرانيا والغرب خلال المؤتمرات الصحفية المشتركة.
البيلاروسي شمولي، انتقامي، مندفع، وحتى وقت قريب مستقل للغاية. الآن تم وضعه على "خيط رفيع"، ولأنه يعتمد كليا على الكرملين، يضطر بشكل متزايد إلى لعب دور في مشروع بوتين بعيد المدى، لتحويل بيلاروسيا، من "مركز بعيد في أوراسيا"، إلى مقاطعة في غرب روسيا.
تهديد دول البلطيق
بالإضافة إلى حقيقة أن بيلاروسيا، التي تسيطر عليها موسكو، يمكن أن تصبح نقطة انطلاق للهجوم من الشمال على أوكرانيا، هي أيضا نقطة انطلاق ممتازة للهجوم على دول البلطيق وبولندا، إذا حاول بوتين اختبار ردة فعل الناتو وقدرته القتالية، وقرر غزو أراضي تلك البلدان.
رغم أن مثل هذا الغزو قد يعني مواجهة مباشرة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، إلا أن موسكو لا تريد قتال دول أعضاء في الناتو، مثل ألمانيا وفرنسا والمجر وإيطاليا، بهدف سعي هذه الدول للحفاظ على استقلال دول البلطيق.
المقامر لوكاشينكو
يحوم بوتين فوق بيلاروسيا مثل "نسر" يشعر بـ"الجيف"، والمقامر السياسي لوكاشينكو يشعر باليأس اليوم. لديه فرص أقل للبقاء واقفا على قدميه، وبوتين يبذل قصارى جهده لمنع بيلاروسيا من تجنب الوحدة مع روسيا.
يتم تدمير نظام لوكاشينكا من جميع الجهات. وليس لدى لوكاشينكا أي فرصة للاحتفاظ بسلطته على بيلاروسيا بمفرده. ومع ذلك، فإن آمال الحصول على مساعدة من موسكو قد تكون وهمية.
لم يستطع بوتين حماية تلميذه يانوكوفيتش من غضب الشعب الأوكراني، وهناك فرصة لعدم وجود خطة في الكرملين تمكن الشعب البيلاروسي من قلب نظام الديكتاتور لوكاشينكو، الذي يحكم بيلاروسيا بشكل غير قانوني، ويفعل ما يشاء منذ أكثر من ربع قرن.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس - الإعلام المحلي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022