تراجع التصعيد في أوكرانيا وتوسيع للمواجهة في البحر الأسود

نسخة للطباعة2021.05.03

كان لافتاً، أن الرئيس فلاديمير بوتين تجنب الإشارة في رسالته أمام البرلمان الروسي إلى الأزمة الخطيرة المتصاعدة مع أوكرانيا، والمخاوف المتجددة من انزلاق الوضع في شرق أوكرانيا نحو مواجهة عسكرية شاملة. إنه تطرق إلى أوكرانيا مرة واحدة فقط في خطابه خلال إشارته إلى أن الغرب «تجاهل الانقلاب على الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش» الذي فرّ إلى روسيا عام 2014، وتتهم موسكو المعارضة الأوكرانية بتنظيم انقلاب ضده.

 وقال بوتين، إن الغرب «يواصل حالياً تجاهل محاولة انقلاب استهدفت القيادة البيلاروسية وجرى إحباطها بعمل من جانب الأجهزة الخاصة الروسية». لافتاً إلى أن «هذا الأمر في غاية الخطورة وتجاوز لكل الحدود».

قصد بوتين بذلك إعلان أجهزة الأمن في روسيا وجمهورية بيلاروسيا أخيراً عن إحباط مخطط لتدبير انقلاب في بيلاروسيا واغتيال رئيسها. وذكرت الأجهزة الأمنية الروسية، أنها اعتقلت شخصين على الأقل، وكشفت المخطط، وادعت أن مدبري هذا المخطط الموقوفين «اعترفوا» بأنهم كانوا يخططون لمحاصرة العاصمة البيلاروسية مينسك، بما يشمل تعطيل البنى التحتية ووسائل الاتصال والشبكة الكهربائية بالكامل في المدينة، في إشارة إلى أن المخطط هدف إلى شن هجوم سيبراني واسع النطاق.

جاء إقحام بيلاروسيا بهذه الطريقة، وإعلان بوتين عن المقاربة بين «محاولتي انقلاب» ليشير إلى أن موسكو اتخذت قراراً واضحاً بمواجهة أي محاولة جديدة لفرض حل عسكري في شرق أوكرانيا، وهو الأمر الذي بدا معه أن الوضع في المنطقة ينزلق سريعاً نحوه. 

لكن موسكو قامت بخطوات عدة عكست تراجعاً ملموساً عن مواقف سابقة؛ بهدف امتصاص الضغوط المتزايدة، وأيضاً محاولة إحداث شرخ داخل التحالف الأميركي الأوروبي.

جاء ذلك عبر إعلان موسكو عن سحب قواتها عن الحدود الأوكرانية، وتعمد الكرملين التغطية داخلياً على هذه الخطوة بإطلاق تصريحات نارية لبوتين بأن «روسيا رسمت خطوطاً حمراء، ولن تسمح لأحد بتجاوزها»، كما أن وزارة الدفاع أعلنت أن قواتها انسحبت من المنطقة بعدما «انهت بنجاح تدريبات قامت بها». 

هذه الخطوة بدت مُرضية لبلدان مؤثرة في القارة الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا اللتين أعلنتا احتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا إذا تدهور الوضع في أوكرانيا. وفي السياق ذاته، أعلن بوتين استعداده لاستقبال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في موسكو قاطعاً عليه الطريق لاقتراح قمة في مناطق الشرق الأوكراني. وعن العلاقة المباشرة مع واشنطن، أعلن الكرملين عن ترتيبات جارية لعقد قمة مع بايدن في يوليو (تموز) المقبل. من دون ربط ذلك بتقديم اعتذار أو تراجع من جانب بايدن (كما طرح الكرملين سابقاً) عن هجومه الحاد الشهر الماضي على بوتين.

مع هذا، فإن التراجع المحدود الذي قام به الكرملين لاحتواء الأزمة المتصاعدة حول أوكرانيا وتخفيف فتيل التوتر، لم ينعكس على التوقعات الأكثر تشاؤماً لمواصلة سياسة الاحتواء والعقوبات الأميركية القوية والمنسقة مع الأوروبيين. إذ رأى خبراء روس، أن تخفيف احتمال انزلاق الموقف نحو توسيع المواجهات العسكرية حالياً في شرق أوكرانيا، اقترن بوضع قواعد جديدة للتعامل بين روسيا و«ناتو» في منطقة البحر الأسود. وهي منطقة اعتبرتها موسكو دائماً جزءاً من مناطق نفوذها الإقليمي، ولا تتردد في إعلان استياء أو القيام بتحركات لمضايقة السفن الأطلسية التي تعبر قناة كيرتش وتدخل البحر. 

وجاءت خطوة موسكو الأخيرة بإعلان إغلاق ثلاث مناطق في البحر الأسود أمام تحركات السفن الأجنبية، تحت ذريعة إجراء تدريبات عسكرية قرب سواحل شبه جزيرة القرم، لتؤكد تحول المنطقة إلى ساحة صراع غير مباشر بين موسكو و«ناتو»، وتزايد حدة هذا الصراع تدريجياً. وهذا يعني أن المواجهة حول أوكرانيا باتت تشكل واحداً فقط من عناصر المواجهة الأوسع حول مفهوم محاولات الحلف الغربي لتطويق روسيا عسكرياً وفقاً للاتهامات الروسية للحلف. ولم تلبث أن جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى منطقة القرم وشنّه هجوماً عنيفاً على تحركات «ناتو» من هناك، لتشكل عنصر توتر إضافياً في المشهد المتفاقم. 

ويومها، وجه شويغو قوات الجيش الروسي لأن «تكون مستعدة للرد فوراً على أي تطورات سلبية في مناطق إجراء مناورات ينوي ناتو إطلاقها قريباً». 

وأوضح، أن روسيا «تتابع عن كثب نقل (ناتو) قواته إلى منطقة المناورات، من خلال إنشاء مراكز تنسيق تعمل على استقبال قوات الحلف والشحنات المرتبطة بالمناورات في كل من بولندا، وسلوفاكيا، والمجر، ورومانياـ وبلغاريا». 

وصرح شويغو بأن الحلف الغربي ينشر حالياً إحدى المجموعات الرئيسية من قواته في حوض البحر الأسود، مشيراً إلى وصول شحنات أسلحة ومعدات عسكرية وخاصة إلى الموانئ اليونانية. هذا، وينتظر أن تصبح مناورات Defender Europe التي سيجريها «ناتو» خلال الشهرين المقبلين أكبر مناورات للحلف منذ الحرب الباردة. وهو ما شكل إشارة إضافية وفقاً لخبراء روس بأن البحر الأسود غدا واحداً من أهم مراكز المواجهة الجديدة بين روسيا والغرب.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة "الشرق الأوسط"

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022