تصعيد بوتين في أوكرانيا يهدف إلى الحصول على مكتسبات انتخابية

نسخة للطباعة2021.05.03
أندريس أوملاند: باحث في المعهد السويدي للقضايا الدولية في ستوكهولم - ترجمة: حسن عبده حسن (الإمارات اليوم)

كانت قرارات بوتين لصالح التوسع العسكري عقلانية في ما يتعلق بقوة السياسة الداخلية والخارجية في جورجيا عام 2008، تماماً كما كانت في أوكرانيا عام 2014. وستكون القرارات التي ستظهر في الأسابيع والأشهر المقبلة كذلك أيضاً، ففي عام 2008، لم يفرض العالم الغربي عقوبات على روسيا نتيجة احتلالها جنوب أوسيتيا وأبخازيا. 

وكانت العقوبات الوحيدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالصراع في أوكرانيا، قد تم تبنيها بعد نحو أسبوعين من إسقاط روسيا طائرة الركاب التجارية الماليزية فوق شرق أوكرانيا في 17 يوليو 2014. ولم تكن هذه العقوبات التي لاتزال مفروضة حتى الآن، والتي تتسم بآثار معتدلة على الاقتصاد الروسي، رداً مباشراً للغزو الروسي لأوكرانيا، وإنما كانت تمثل عقوبة الاتحاد الأوروبي لموسكو لأنها تسببت بوفاة 200 مدني جُلهم من الاتحاد الأوروبي، كانوا على متن الرحلة «إم إتش 17». 

وفي حقيقة الأمر لم يتم حتى الآن تبني عقوبات حقيقية رداً على مغامرات موسكو وحروبها في الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي، وربما لن يتم تبني مثل هذه العقوبات.

تكاليف التصعيد منخفضة

وبالنسبة لروسيا في عام 2008 و2014، كانت التكاليف الاقتصادية لتصعيدها العنيف في جورجيا وأوكرانيا منخفضة، وأما بالنسبة لحكومة الرئيس فلاديمير بوتين، فإن المكتسبات المحلية والسياسية التي حصلت عليها كبيرة، ولذلك فإن الامتناع عن التدخلات العسكرية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008 والقرم عام 2014 سيكون بمثابة خطأ وتقصير. ويتفاخر أنصار بوتين بشعبيته واستقرار نظامه، على الأقل على المدى القصير.

وتتناقص شعبية النخبة الحاكمة الروسية منذ أشهر عدة، ويرجع ذلك قبل كل شيء إلى النتائج الاقتصادية، والاجتماعية، والإنسانية الكبيرة الناجمة عن جائحة كورونا، والتي تم إخفاؤها في الإحصاءات الروسية الرسمية. 

ومن بين مشكلات بوتين السياسية الحالية المتنوعة، وهي الأكثر شيوعاً، تحول المعارض الروسي أليكسي نافالني إلى شهيد في نظر الروس، ونتيجة لكل هذه التحديات المتراكمة، تزايدت المتاعب أمام بوتين وأتباعه بصورة كبيرة منذ عام 2020.

وفي ظل هذه الخلفية، وخلال التحضير للانتخابات المقبلة للبرلمان الروسي «الدوما» في شهر سبتمبر المقبل 2021، تزايدت أيضاً المكتسبات السياسية المحلية النسبية لمغامرات أخرى في السياسة الخارجية، وبناء عليه فإن التوترات الحالية بين روسيا والغرب وأوكرانيا يمكن أن تستمر في التصاعد، على الأقل حتى الانتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر. 

وفي أسوأ السيناريوهات المحتملة فإن الصراع المستعر الآن بين روسيا وأوكرانيا، يمكن أن يتحول إلى حرب مفتوحة وشاملة بين الدولتين.

جيش أوكراني ضخم

وبالمقارنة بالمرحلة الأولى والنشطة من الحرب في عامي 2014 و2015 تمتلك أوكرانيا جيشاً مهماً وضخماً، يتمتع بتجربة أكبر في القتال مقارنة بالجيوش الأخرى في أوروبا، ولكن حرباً روسية ضد أوكرانيا التي لم تعد خفية، كما كانت حتى الوقت الحالي، من شأنها أن تمنح الكرملين يداً طليقة لاستخدام مختلف أنواع الأسلحة المدمرة. 

وحتى الآن، اعتمدت موسكو على الوحدات القتالية المدججة التسليح بأسلحة غير حديثة نسبياً وغير نظامية في منطقة دونتيسك، وكانت روسيا تطلق أحياناً قذائف مدفعية على أوكرانيا من الأراضي الروسية، وفي حالات استثنائية نشرت موسكو وحدات مشاة عسكرية متحركة ونظامية في أوكرانيا.

ولكن إذا كانت روسيا ستشعل حرباً تقليدية ضد أوكرانيا، ولا تكتفي بالحرب بالوكالة، فإن الكرملين يمكن أن يقرر استخدام القوة الجوية الروسية وربما أنظمة الصواريخ أرض-أرض ضد أوكرانيا. 

ومن المؤكد أن بوتين لن يستخدم أسلحة الدمار الشامل في مواجهته مع كييف، ولكن حتى قيام روسيا بنشر قاذفات ومدافع ثقيلة والصواريخ القصيرة المدى التي تحمل رؤوساً تقليدية في أوكرانيا، يمكن أن يكون له نتائج كارثية ضخمة أيضاً. 

وأي توسع جديد لروسيا في الأراضي الأوكرانية يمكن أن يعني الاحتلال العسكري لقناة شمال القرم في جنوب البر الرئيس لأوكرانيا ضمان إمدادات المياه العذبة لشبه جزيرة القرم من نهر دنيبرو في أوكرانيا. 

وسيكون هذا التصعيد في التوتر الدولي، إضافة إلى احتلال روسيا لأراضٍ جديدة من جنوب أوكرانيا، جذاباً بالنسبة للكرملين في ما يتعلق بتكتيكاته الانتخابية واستراتيجيته السلطوية. وسيكون التوغل والانتصار المحتمل للقوات الروسية في جنوب أوكرانيا، والذي ستبرره موسكو لأغراض إنسانية، مناسباً أكثر كقضية انتخابية لحزب بوتين الحاكم، أكثر من الجهود الأخرى للترويج الانتخابي، حيث تأخر حتى الآن بناء منشآت لتحلية المياه التي تزود شبه جزيرة القرم، والتي يتم الحصول عليها من البحر الأسود.

وحتى لو قرر الكرملين في نهاية المطاف عدم القيام بحرب شاملة في أوكرانيا فإن الأشهر القليلة المقبلة يمكن أن تشهد حالة من التوتر المستمر. 

وفي كل الأحوال فإن أوكرانيا ستخرج من التصعيد الحالي بخسائر فادحة. ويمكن أن يدعم الاتحاد الأوروبي أوكرانيا كلامياً، كما حدث في السابق، ولكنه سيظل سلبياً في ممارسته لسياسته الاقتصادية الخارجية طالما أنه ليس هناك حالات قتل جديدة لمواطنين من الدول الأعضاء في بروكسل، وبناء عليه سيكون الاعتماد إلى حد كبير على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حول كيفية تعامل بوتين مع أوكرانيا.

التوترات الحالية بين روسيا والغرب وأوكرانيا يمكن أن تستمر في التصاعد، على الأقل حتى الانتخابات البرلمانية الروسية في سبتمبر. وفي أسوأ السيناريوهات المحتملة فإن الصراع المستعر الآن بين روسيا وأوكرانيا، يمكن أن يتحول إلى حرب مفتوحة وشاملة بين الدولتين.

حتى لو قرر الكرملين في نهاية المطاف عدم القيام بحرب شاملة في أوكرانيا، فإن الأشهر القليلة المقبلة يمكن أن تشهد حالة من التوتر المستمر، وفي كل الأحوال فإن أوكرانيا ستخرج من التصعيد الحالي بخسائر فادحة، ويمكن أن يدعم الاتحاد الأوروبي أوكرانيا كلامياً.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة ذي ناشيونال إنترست

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022