أصبحت أوكرانيا إحدى قضايا الخلافات الروسية الأميركية التي تضاعفت على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وعمليات القرصنة الإلكترونية، وذلك أدى إلى فصل جديد من العقوبات الصارمة إزاء روسيا، وأثار غضب موسكو ودفعها إلى الرد بعقوبات مشابهة.
وفي أثناء خطاب للأمة الروسية أمس أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن "روسيا لن تسمح لأحد بتجاوز الخطوط الحمر التي تحددها بنفسها"، وهي إشارة عدّها مراقبون بمنزلة تهديد من انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO).
وشهدت الأيام الأخيرة تطورات خطرة مع حشد روسيا أكثر من 100 ألف من جنودها قرب حدودها مع أوكرانيا، وعبّرت واشنطن عن مخاوف من تصعيد عسكري، مشيرة إلى أن موسكو قد تُعدّ ذريعة لدخول أوكرانيا كما حدث عام 2014 عندما ضمت شبه جزيرة القرم، في الوقت ذاته انقسمت آراء المعلقين بشأن أهمية أوكرانيا للمصالح الأميركية العليا.
وتحدث الرئيس جو بايدن قبل أيام مع نظيرة الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وأكد له دعم بلاده الذي لا يتزعزع لأوكرانيا.
رغبة أوكرانيا في عضوية الناتو
ويضغط الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكى من أجل ضمّ بلاده إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أمل أن يردع اتفاق الدفاع المشترك بين دول الحلف، بما فيها الولايات المتحدة، العدوان الروسي ويفرض إنهاء الصراع في شرق أوكرانيا.
وتعارض روسيا منذ مدة طويلة التطلعات الأوكرانية للانضمام إلى الناتو وكذا المنظمات السياسية والاقتصادية الأخرى ذات التوجه الغربي بما فيها الاتحاد الأوروبي.
وينظر خبراء آخرون إلى حشد القوات الروسية بالقرب من الحدود على أنه مجرد وسيلة تهديد، إذ ترغب روسيا في الحفاظ على ما يكفي من الدعم والنفوذ في شرق أوكرانيا لمنع جارتها من إضفاء طابع التحالف الرسمي على علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.
كما أن هناك مخاوف روسية من أن إدارة بايدن قد تُقدم كثيرا من الدعم العسكري لأوكرانيا، وتخشى روسيا أن يذهب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعيدا جدا ويحاول إعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون الروس في شرق البلاد.
وتزعم الرواية الروسية أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي أشعل الأزمة قبل شهر بتوقيع مرسوم يجعل استعادة أراضي القرم التي ضمّتها روسيا سياسة رسمية للدولة الأوكرانية، كما ناشد زيلينسكي الولايات المتحدة وأوروبا تسريع عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي الذي لطالما وصفته روسيا بأنه "خط أحمر" من شأنه أن يؤدي إلى الحرب.
معضلة بايدن بين موسكو وكييف
ويقول هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي السابق، إن أوكرانيا في نظر روسيا "لا يمكن أبدا أن تكون مجرد بلد أجنبي، لقد كانت أوكرانيا جزءا من روسيا على مدى قرون عدة، وتاريخها كان متشابكا قبل ذلك الحين".
ويرى براين أوتول، الخبير بالمجلس الأطلسي والمسؤول السابق بوزارة الخزانة، أن الأهداف الرئيسة لإدارة بايدن تجاه روسيا هي "محاولة احتواء وصد هجوم بوتين الأوسع على الديمقراطية وعلى النموذج الغربي في الحكم وعلى قواعد النظام الدولي الراسخ". وتتبع واشنطن سياسة فرض العقوبات على روسيا عقابا على مواقفها تجاه أوكرانيا كما حدث عند ضم موسكو إلى شبه جزيرة القرم عام 2014.
ويقول بعض المنتقدين إن العقوبات أخفقت لأنها لم تجبر الكرملين على تغيير سلوكه، في حين يرى فريق آخر أن روسيا كانت ستتخذ خطوات أكثر عدوانية تجاه أوكرانيا لولا الخوف من فرض عقوبات أشد.
أوكرانيا مصلحة استراتيجية لأميركا
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسعى واشنطن إلى دعم الاستقرار في أوروبا حيث توجد دول مستقرة وآمنة، ويفضل أن تكون دولا حرة، من هنا يرى بعض المعلقين أن نجاح أوكرانيا سوف يكون نجاحا لأميركا أيضا.
ويرى آخرون أن أوكرانيا "تقف على الخطوط الأمامية لمنافسة إستراتيجية بين الغرب وروسيا، ومن ثم يجب أن تحظى بدعم قوي من واشنطن، وهو ما يتطلب استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية لكييف". ووفق دبلوماسي أميركي سابق فإن بلاده "تقاتل روسيا في أوكرانيا حتى لا تضطر إلى محاربة روسيا في الولايات المتحدة".
وقد عبر السفير كورت فولكر، المبعوث الأميركي السابق إلى أوكرانيا، عن وجهة النظر المؤيدة لدعم أوكرانيا بالقول إن "المصلحة الأميركية في أوكرانيا تعني صدّ العدوان الروسي، ودعم تطوير أوكرانيا قوية ومرنة وديمقراطية ومزدهرة كي تتغلب على إرث الفساد وتصبح مندمجة في مجتمع أوسع عبر الأطلسي. وهذا أمر بالغ الأهمية للأمن القومي الأميركي".
"فإذا نجحت أوكرانيا، مهد الحضارة السلافية التي سبقت موسكو، كديمقراطية محبة للحرية ومزدهرة وآمنة، فإنها تعطي أملا هائلا أن روسيا قد تتغير يوما ما بما يوفر حياة أفضل للشعب الروسي، ويتغلب على وباء الاستبداد والفساد والعدوان الحالي تجاه الجيران والتهديدات لحلفاء الناتو والولايات المتحدة".
ماكرون (يمين) دعا في أثناء اجتماع مع زيلينسكى روسيا إلى سحب قواتها من شبه جزيرة القرم (رويترز)
أوكرانيا عبء على المصالح الأميركية
وعلى النقيض، عبّر جورج بيب، مدير الدراسات في مركز المصلحة الوطنية والمسؤول السابق عن روسيا في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA)، عن وجهة نظر مغايرة لا ترى في أوكرانيا مصلحة للولايات المتحدة.
ويرى بيب أن افتراض إمكانية دمج أوكرانيا في المنظومة الغربية وحلف الناتو يغض الطرف عن كثير من الحقائق غير المريحة، والواقع أن التأييد لعضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي ضئيل بين الأوروبيين الذين يخشى كثير منهم من أن مثل هذه العضوية سوف تؤدي إلى صراع عسكري مع روسيا.
ورأى بيب أن هناك بديلا ثالثا عن طريق التفكير في نهج أكثر تواضعا يؤكد لموسكو أن أوكرانيا ليست ولن تكون مرشحة لعضوية حلف شمال الأطلسي، مع الحفاظ أيضا على حرية كييف في البحث عن دعمها اقتصاديا وسياسيا من الغرب.
ويؤمن بيب بأن هذه الطرح لن يُسهل الانفراج في العلاقات الأميركية الروسية فقط، بل سيوسع أيضا مساحة الحريات داخل أوكرانيا، لأنه سيقلل من المخاطر الجيوسياسية للإصلاحات الداخلية في أوكرانيا. ولن يكون هذا النهج مكافأة للعدوان الروسي ولا صفقة يدفع ثمنها الشعب الأوكراني، لكنه يعكس ببساطة وبشكل عملي الحقائق غير المريحة التي تواجهها الولايات المتحدة في أوكرانيا وروسيا.
جذور الأزمة
وتعود جذور الأزمة الأوكرانية إلى ما سمي "ثورة الكرامة" الأوكرانية عام 2014 حين أُطيح رئيس موال لروسيا.
وأرسلت روسيا في وقت لاحق قوات لضم شبه جزيرة القرم، مدّعية أن عليها حماية حقوق المواطنين ذوي الأصول الروسية الذين يعيشون في الأراضي الأوكرانية الجنوبية.
وبعد مدة وجيزة من الضم، استولى الانفصاليون المدعومون من روسيا في منطقة دونباس الغنية بالفحم في شرق أوكرانيا على جزء كبير من منطقتي دونيتسك ولوهانسك الإداريتين -حيث غالبية السكان من الناطقين بالروسية- وأعلنوا إنشاء جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية.
واستمر القتال بين الجيش الأوكراني والانفصاليين المدعومين من روسيا في دونباس على نحو متقطع منذ عام 2014، على الرغم من اتفاقيات وقف إطلاق النار المتعددة، وفي الأيام الأخيرة ومع زيادة الوجود العسكري الروسي على طول الحدود مع أوكرانيا، حذّر مسؤولو الكرملين مرة أخرى من أنهم سيدافعون عن السكان الروس داخل أوكرانيا.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022