القورصاوي.. العالم التتري الذي اضطُهد بسبب آرائه الإصلاحية

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

عبد النصير القورصاوي (1776 - 1812م) عالم تتري بارز، وأحد مؤسسي الحركة الإصلاحية والعقلانية في الفكر الإسلامي والإجتماعي عند التتار، ولد في قرية قورصه بمقاطعة قازان في عائلة تمتهن التجارة، وتلقى تعليمه الشرعي لمدة أربع سنوات في بخارى، ودرس هناك الفقه والفلسفة وأتقن عدة لغات، وبعد عودته لقريته أسس مدرسة كبيرة فيها، وسرعان ما اشتهر المدّرس الشاب مع مدرسته.

ثم انتقل عبد النصير القورصاوي مرة أخرى إلى بخارى عام 1807م، وهناك انتقد في خطبه وكتاباته التخلف والتعصب والبدع الشائعة، والتقليد الأعمى عند بعض الشيوخ، ودعا إلى العلم والمعرفة والتفكير والتجديد وفتح باب الإجتهاد، وانتقد بعض ممارسات الصوفية التي لا تتوافق مع الشريعة، وحثّ على بناء المدارس، وتأليف ونشر الكتب. 

هذا عرّضه لغضب بعض رجال الدين وأمير بخارى، والذين اتهموه بإفساد الشباب وإنكار الأعراف المتبعة، فتعرّض للمضايقة ومنعت كتبه، فاضطر للمغادرة بخارى إلى إمارة خوارزم، ثم للعودة عبرها إلى وطنه، حيث واصل التدريس، ولم يسلم في وطنه من الإتهامات والتضييق، فسرعان ما غادر متوجها للحج مع إخوته عام 1812م، وفي الطريق أصيب بالكوليرا وتوفي –رحمه الله- باسطنبول.

كتب القورصاوي العديد من الرسائل والكتب، وكان يُلْحق باسمه "أبو النصر" و"القازاني البلغاري الحنفي"، وأهم كتبه: "الإرشاد للعباد" باللغة العربية الذي نشر لأول مرة عام 1903م، وكذلك "شرح قديم للعقائد النسفية"، و"شرح جديد للعقائد النسفية"، وشرح مختصر المنار، و"رسالة إثبات الصفات"، و"النصائح"، و"اللوائح"، وترك أيضا تفسير السبع المفصل من القرآن الكريم باللغة التترية، وغيرها.

رغم أن عبد النصير القورصاوي لم يعش سوى 37 سنة، إلا أن أفكاره وكتاباته التجديدية استمرت وساهمت في تشكيل وبلورة آراء عدد من العلماء والمفكرين التتار الذين تزعموا مدرسة الإصلاح في روسيا أمثال: شهاب الدين المرجاني (1818- 1889م)، وعالم جان البارودي (1857- 1921)، وموسى جار الله بيكييف (1878 – 1949)، وضياء الدين الكمالي (1873- 1942م)، وعبد الله بوبي (1871- 1922)، وغيرهم.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)