إذا حصل النقاش الدائر حول بعثة الأمم المتحدة بالفعل على فرصة جديدة للحياة، فمن المهم ملاحظة بعض النقاط الأساسية.
الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة وافتتاح الدورة العادية للجمعية العامة، يمثلان فرصة جيدة للتذكير مرة أخرى بأن المنظمة تأسست لضمان السلام، وأنها يجب أن تلعب دورا أنشط في مواجهة السياسات العدوانية الروسية واستعادة سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
تقدمت أوكرانيا منذ العام 2015 باقتراح للأمين العام للأمم المتحدة، من أجل نشر بعثة للأمم المتحدة على أراضي دونباس المحتلة. حظيت هذه المبادرة بدعم شركائنا، ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
سأفتح ستارة الكواليس الدبلوماسية. حيث أن حتى المشككين في الأمم المتحدة مثل الرئيس ترامب، بعد التوضيحات المفصلة التي قدمها الرئيس الخامس لأوكرانيا، قبلوا منطق المبادرة الأوكرانية.
وقد واصل الممثل الخاص للولايات المتحدة كورت فولكر لعب دور تنسيقي مهم لدعم هذه القضية. بالنتيجة وبالتعاون مع الشركاء جرى وضع مفهوم مفصل (مع مهام ووظائف واضحة) حول عملية الأمم المتحدة المحتملة للحفاظ على السلام وإمكانية نشرها في الجزء المحتل من دونباس.
سلمت هذه الوثيقة باسم ألمانيا والولايات المتحدة وفرنسا وأوكرانيا إلى موسكو، حتى أن ألمانيا ذهبت إلى أبعد من ذلك: إذ أدرجت بنود نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دونباس في برنامج الإتلاف الحكومي.
أعلن الكرملين يومها -كما اعتاد- "نحن لا نمانع، ولكن لنفعل ذلك على طريقتنا"، وعرض نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الخط الفاصل حصريا (وهذا للإفشال التام للفكرة).
ستؤدي مثل هذه العملية في الواقع إلى تجميد الصراع في دونباس وإضفاء الشرعية على نظام الاحتلال الروسي. لذا رفض بالطبع المقترح الروسي. لكن هذا الموقف قدم درسا قيما. فبفضل ضغط الشركاء المتواصل والمنسق يمكن تغيير موقف بوتين، الذي لم يرغب في البداية إطلاقا في سماع شيء عن مشاركة الأمم المتحدة.
جرى الانتقال من ثم إلى المرحلة التالية، التي تضمنت إدراج بعثة الأمم المتحدة في "خريطة الطريق"، التي بدأ تطويرها وفقا لقرار قمة برلين ورباعية النورماندي في عام 2016. لكن، لم يكن من الممكن إتمام هذه العملية لانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، فجمدت موسكو العمل على هذه الخطة التفصيلية، التي أمكنها أن توفر قراءة واحدة لاتفاقيات مينسك.
أجل، بعثة الأمم المتحدة في الواقع ليست الحل المثالي (إن وجدت) بالنسبة لدونباس. لكنها تنسجم تماما مع منطق الجانب الأوكراني حول أن أي انتخابات في الأراضي المحتلة لا يمكن أن تتم إلا بعد توفير الأمن.
هذا لا يتعلق فقط بالمرحلة التحضيرية. حيث أنه بعد إعلان النتائج، يمكن أن تجري عملية انتقالية كاملة مصدقة بالوجود الدولي، من أجل منع التصعيد.
في عام 2018، طلب الرئيس الخامس، مستندا إلى ميثاق الأمم المتحدة، رسميا من الأمين العام للأمم المتحدة إرسال بعثة تقييم فني إلى دونباس لدراسة الوضع ووضع المعايير الإدارية والمالية المفصلة لمهمة حفظ السلام المستقبلية.
للأسف، إن الآمال المفرطة للفريق الجديد حول تحقيق "سلام سريع" والتوجه الحالي نحو إجراء انتخابات محلية في الأراضي المحتلة في أقرب وقت ممكن لم يوفر الوقت الثمين للمناقشات حول إمكانية تدخل الأمم المتحدة.
ومع ذلك، يلاحظ صدور تعليقات متكررة عن فريق التفاوض حول الحاجة إلى جذب قوات دولية إضافية، تشير إلى أن جمود عملية مينسك سيجبر زيلينسكي على البحث عن خيارات أخرى لحل الصراع في دونباس.
وإذا كان النقاش حول بعثة الأمم المتحدة قد حصل بالفعل على فرصة جديدة للحياة، فمن المهم الإشارة إلى بعض النقاط الرئيسية:
1- يجب أن تستند مثل هذه المهمة إلى تفويض شامل يمنحه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي سوف يشمل ليس فقط نزع سلاح العصابات غير الشرعية في الأراضي المحتلة مؤقتا في دونيتسك ولوهانسك أو خلق الظروف الأمنية المناسبة لإجراء الانتخابات المحلية، بل والجوانب الأخرى أيضا مثل نزع الألغام للأغراض الإنسانية.
2- يجب أن تكون البعثة مجهزة وممولة بشكل كاف (لهذا الغرض، على سبيل المثال، سيؤسس صندوق تطوعي لتمويل العملية) للقيام بمهامها بشكل صحيح.
3- يجب نشر البعثة على جميع الأراضي المحتلة، بما فيها أجزاء الحدود الأوكرانية الروسية غير الخاضعة للسيطرة.
لماذا أمكن أن يصبح التشكيك في مهمة حفظ السلام حجة إضافية لأوكرانيا واختبارا لالتزام روسيا بالتسوية السلمية؟
1- روسيا ليست مهتمة على الإطلاق بزيادة الحضور الدولي في المنطقة. وهذا ما يفسر محاولات موسكو المنهجية لتقييد وتشويه سمعة وإقصاء منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. التفتيش المشترك بالقرب من شومي يندرج تحت هذه السلسلة. وحجة روسيا في اعتبار قوات الأمم المتحدة على أنها "قوات احتلال" دليل آخر على ضعف روسيا. كيف يمكن أن تكون قوات المنظمة حيث لدى روسيا حزمة عرقلة، مثل حق النقض ومقعد دائم في هيئة التحكم الرئيسية قوات احتلال؟
2- فيما يتعلق بالزعم الروسي أن مثل هذه المهمة غير منصوص عليها في اتفاقيات مينسك مثل، بالمناسبة، فكرة فصل القوات والأدوات التي نجح الاتحاد الروسي في "تحجيمها". كما وأن مهمة بعثة الأمم المتحدة لن تحل محل خطة التسوية أو خطة العمل المشتركة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، لن تكون من بين مهام القوات الدولية طرد قوات الاحتلال من أراضي أوكرانيا. وإنما هدفها خلق الظروف المناسبة لتحقيق تسوية سلمية. فهم يدركون أنه بمجرد الحصول على موافقة موسكو السياسية على نشر البعثة، سيبدأ انسحاب قوات الاحتلال الروسية من الأراضي الأوكرانية في نفس اليوم المترافق مع تدمير أي دليل على وجودها ولن يرى أول جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حتى آخر جيش روسي.
3- سوف يعالج نشر القوات الأممية مسألة الأمن والحفاظ على النظام على أراضي دونيتسك ولوهانسك المحتلة ومراقبة الحدود (قبل انتقالها لتصبح تحت سيطرة أوكرانيا). هكذا ستسحب كييف أيضا الورقة الرابحة من يد الروس، الذين يعتبرون أن القوات الأوكرانية تشكل خطرا على السكان المحليين، خصوصا وأنه لن يكون هناك داع لإهدار الوقت على الاتفاقات للالتزام الطرفين بوقف إطلاق النار ولا للتوصل إلى مثل هذه الاتفاقات.
أخيرا، يمكن أن تكون مهمة الأمم المتحدة استراتيجية لحفظ ماء وجه نظام بوتين ولسحب القوات من أوكرانيا وعدم فقدان ماء الوجه أمام "الأنصار". وقد يكون الإنجاز الناجح للمهمة في دونباس فرصة للأمم المتحدة لتعديل سمعتها على خلفية الانتقادات حول عدم قدرتها على الاستجابة بفعالية للتحديات التي تواجه السلام والأمن، التي كانت سبب إنشائها.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس - الإعلام المحلي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022