قصة بناء "السيل الشمالي 2" هي مثال على عدم رغبة الدوائر السياسية والتجارية الرائدة في الاتحاد الأوروبي بمقاومة نشاطات الكرملين العدوانية بحزم.
لقد أجل البوندستاغ الألماني التصويت على مشروع القرار، الذي سوف يحدد بموجبه البرلمانيون بوضوح مصير خط أنابيب غاز "السيل الشمالي 2".
اقتُرح على البوندستاغ اعتماد قرارين متعارضين تماما من حيث المحتوى. ينص واحد منهما على إيقاف بناء خط أنابيب الغاز، وثانيهما على تقديم أية مساعدة لمواصلة هذا البناء.
من المثير للاهتمام أن كلا القرارين مقدمين من قبل الكتل المعارضة. مشروع القرار الأول، والذي أصر مؤلفوه على وقف بناء "السيل الشمالي 2"، قدم لينظر فيه البرلمانيون من قبل ممثلي تكتل "اتحاد 90 / الخضر".
أما الثاني، والذي نص على تقديم المساعدة لبناء خط الأنابيب، فتقدم به الحزب الشعبوي "البديل لألمانيا".
قد يسأل البعض، وما هو القاسم المشترك بين هذه القوة السياسية ونظام بوتين؟. أجل!. هناك قاسم مشترك، وهو رفض أوروبا الموحدة والمثل الديمقراطية كقيم رئيسية للقارة.
ولكن، حتى "البديل لألمانيا" له حساباته السياسية الخاصة. الداعمون الرئيسيون لمواصلة بناء خط أنابيب الغاز اليوم هم نخب شرق ألمانيا، حيث يقاتل هذا الحزب الآن من أجل أصوات الناخبين، معولا على تحقيق انتصارات جديدة. لذا من وجهة نظر الشعبويين، هم يحمون بكل بساطة وظائف ناخبيهم المحتملين دون أن يخاطروا بسمعتهم.
لكن القرارات المحتملة، التي قد يعتمدها البوندستاغ بشأن مصير "السيل الشمالي 2" اقترحت من قبل الفصائل غير المشاركة في الائتلاف الحكومي، تشكل دلالة أخرى على أن الحكومة الألمانية ليست على عجلة من أمرها لاتخاذ قرار يعبر عن موقفها تجاه خط أنابيب الغاز المستقبلي.
كان هناك حاجة في الأيام الأولى، التي تلت تسميم السياسي والناشط الروسي المعارض أليكسي نافالني، إلى إظهار موقف صارم تجاه نظام، لا يوفر الأسلحة الكيماوية في معركته ضد منتقديه، كما وأن الرأي العام هو من طالب برد فعل كهذا.
يمكن نسيان كل شيء، فقط من أجل استكمال بناء "السيل الشمالي 2"، حتى أن المستشارة أنجيلا ميركل، المعروفة بدعمها للمشروع، تحدثت عن عقوبات محتملة ضد "السيل الشمالي 2"، لكنها أشارت إلى أن مثل هذا القرار يجب أن يكون أوروبيا وليس ألمانيا.
لكن، ها هي المشاعر قد هدأت قليلا الآن، حيث بدأ نافالني يتعافى واحتلت الأخبار الأخرى الصفحات الأولى. ولم يعد من المخزي القول إنه لا توجد حاجة للجمع بين العقوبات ضد روسيا ومصير "السيل الشمالي 2"، حيث أنه "مشروع تجاري بحت".
ما دامت هذه الكلمات قد صدرت خلال اللقاء مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن نظيره النمساوي ألكسندر فان دير بيلن، فلم لا تصبح وجهة النظر هذه من جديد الحاسمة في مزاج المؤسسة السياسية الألمانية؟
الغاز ليس "بارميزانا"
ما تزال قصة بناء "السيل الشمالي 2" تبدو أفضل من مثال عدم رغبة الدوائر السياسية والتجارية الرائدة في أوروبا في مقاومة نشاطات الكرملين العدوانية بحزم.
يمكن الإدلاء بتصريحات قاسية تدين الأعمال الروسية ويمكن التضحية بمصالح تلك القطاعات الاقتصادية التي لا تعتبر ذات أهمية استراتيجية للسوق الأوروبية، خصوصا إذا كان الحديث لا يدور حول العقوبات الغربية، وإنما عن مقاومة العقوبات الروسية المضادة، وعن كل هذه المعمعة المضحكة حول جُبن البارميزان، لكن الغاز ليس بارميزانا.
عندما يتعلق الأمر بمصالح الطاقة، يمكن نسيان ضم القرم والحرب في دونباس وسلسلة عمليات تسميم المعارضين السياسيين وضباط المخابرات السابقين ودعم النظام الاستبدادي في بيلاروس. يمكن نسيان كل شيء - فقط لإكمال بناء "السيل الشمالي 2".
حتى أن الحديث لا يدور عن حاجة ألمانيا لكميات إضافية من الغاز، فألمانيا مكتفية به. نحن نتحدث عن التنافس على عائدات العبور، التي يمكن من أجلها إهمال المبادئ والمنافع السياسية.
يمكن حتى الاستسلام للحس الاقتصادي، ففي عصرنا، عصر المنافسة على صناعة الغاز المسال، ليست هناك حاجة لأنابيب إضافية.
غير أن البعض يرغب في كسب أموال إضافية. وتبين أنه يمكن التضحية بالمبادئ التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي من أجل تلبية الرغبة هذه وإظهار من جديد لفلاديمير بوتين أن ما ليس بين يديه بعد، ليس حقيبة نووية وإنما صنبور شركة غازبروم"، وأنه يستطيع أن يسمح لنفسه فعل ما يشاء في القارة، وفي بلده.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس - الإعلام المحلي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022