يفهين فيلينداش - مدير المركز الأوكراني للتحليلات الاجتماعية
الرأسمالية لا يمكن أن توجد دون تمدد و وسيع مستمر للأسواق. عندما يصبح هذا التمدد مستحيلا لسبب ما، تبدأ الأزمة. شهد العالم على مدى القرن الماضي عدة أزمات من هذا القبيل.
حدثت الأولى في بداية القرن العشرين، عندما استولت دول العالم الكبرى على جميع أراضي العالم التي استطاعت الاستيلاء عليها، فقسمت أفريقيا وآسيا، وما إلى ذلك فيما بينها، فلم يبق هناك دول يمكن الاستيلاء عليها بسهولة وتحويلها إلى مستعمرات لها، كما ولم يعد هناك مجال لتوسيع الأسواق المسيطر عليها أكثر، ولم تبق إلا محاولة السيطرة على الأراضي الخاضعة للدول العظمى الأخرى. بالنتيجة وقعت الحرب العالمية الأولى.
لاحقا، بعد إعادة الإعمار والنمو، الذي تلى الحرب، حدثت في العشرينيات أزمة جديدة، وحدث الكساد الكبير في أوائل الثلاثينات. بالنتيجة وصل النازيون إلى سدة الحكم في ألمانيا، واقتربت الحرب العالمية الثانية.
من ثم، الأزمة الاقتصادية في أوائل السبعينيات، وكانت إحدى نتائجها إلغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب؛ فحصلت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين على إمكانية طباعة الدولار بكميات أكبر من أي وقت مضى، لتضخه في الاقتصاد من خلال الاستخدام الواسع للقروض الإسكانية والاستهلاكية وغيرها.
من بعدها جاءت أزمة أواخر الثمانينات، التي بدأت بما يعرف بـ"الاثنين الأسود" في أكتوبر 1987، عندما وقع أكبر انخفاض لمؤشر "داو جونز" في تاريخه، الذي بلغ في ذلك اليوم نسبة 22%.
يعود الفضل الأكبر لإنقاذ الغرب من الانزلاق نحو كساد كبير جديد، يعود للانتصار في الحرب الباردة، والتوسع اللاحق في أراضي الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك مع الكتلة الاشتراكية السابقة.
جاءت من ثم أزمة عام 2008، التي "غمرت بالمال" بالمعنى الحرفي، حيث طبعت ووظفت في الاقتصاد تريليونات من الدولارات واليوروهات غير المغطاة، وأسموا هذا بـ"سياسة التسهيل الكمي".
تضخَّم دين الحكومة الأمريكية أكثر فأكثر مع كل عام، حتى أن وصل مع بداية عام 2020 إلى رقم قياسي بلغ 23 تريليون دولار، أي ما يعادل 107% إجمالي الناتج المحلي. وللمقارنة، بلغ في عام 1990 نسبة 54% إجمالي الناتج المحلي، وفي عام 2007 نسبة 62%. هذا فقط الدين العام، دون الأخذ يعين الاعتبار ديون الشركات والأسر، التي وصلت أيضا إلى أبعاد هائلة.
في بداية عام 2020، بلغ إجمالي ديون الحكومات والسكان والشركات والمؤسسات المالية في جميع دول العالم مبلغا هائلا، يعادل 253 تريليون دولار أمريكي؛ وهو ما يعادل في الواقع 322 % من إجمالي الناتج العالمي. أي أن الديون الحالية تزيد فعليا عن ثلاثة أضعاف تكلفة جميع المنتجات والخدمات الموجودة على هذا الكوكب. هذا يعني أن النظام الرأسمالي العالمي عاش لفترة طويلة في الديون على حساب المستقبل، ولم يعد من الممكن تسديد هذه الديون مبدئيا.
توقع العديد من المحللين حدوث أزمة اقتصادية عالمية حتمية في عام 2020، ووصولها إلى الذروة في عام 2021.
الخروج من هذه الأزمة عن طريق تكرار الخدعة التي استخدمت بعد عام 2008، أي إعادة طباعة النقود مرة أخرى على نطاق واسع، و"رميها من المروحية" سيفشل حتما.
انخفضت أسعار الفائدة في الدول الغربية إلى الصفر تقريبا، وفي عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا. حاولوا تحفيز الاقتصادات التي توقفت عن النمو، واعتمدوا حتى على نسبة فوائد سلبية على القروض والودائع.
انتهى!...، لم يعد هناك أية خطط على الإطلاق يمكنها كبح تأثير قانون الرأسمالية الصارم: "لا يوجد تمدد للأسواق، لا يوجد تطور". ولكن تبقى الطريقة التقليدية للخروج من أزمة الرأسمالية: الحرب، أي حرب كبيرة وعالمية، ما دامت الأزمة التي حدثت عالمية.
غير أن الحرب العالمية في العصر النووي تبشر بتحويل الآفاق المستقبلية إلى غبار مشع بالنسبة للجميع، لذا تبدو طريقا مسدودا. و لكن كيفية الخروج من الأزمة الرأسمالية العالمية الوشيكة ليست واضحة.
هنا يظهر في الساحة فيروس كورونا. و ليس جوهر المسألة الأهم إن كان فيروس كورونا قد أطلق عمدا أو جرى استخدام ظهوره كحجة لجميع الأحداث اللاحقة. المهم أن عواقب جائحة فيروس كورونا، مع مراعاة الذعر العالمي والحجر الصحي الشامل، تشبه إلى حد كبير الخسائر الاقتصادية والتغيرات الدولية التي يمكن أن تنتج عن الحرب العالمية.
فالحرب العالمية تؤدي دائما، بالإضافة إلى الأمور الأخرى، إلى إعادة توزيع شاملة للأصول والأسواق، وتصفير أو شطب على الأقل جزء من الديون (تحت بند الظروف القاهرة)، وإلى غيرها من التغيرات العالمية الأخرى.
ستؤدي الأزمة العالمية الحالية إلى إفلاس قطاعات كاملة من الاقتصاد العالمي، حيث أن الكثير من الدول و الشركات ستعلن الإعسار، وستفقد كل شيء، أو تقريبا كل شيء، حتى أن بعضها سيختفي نهائيا. ستظهر الكثير من الأسواق من أجل التمدد الجديد. تمدد أولئك الذين سيجدون أنفسهم في نهاية الأزمة في وضع جيد.
عند انتهاء أزمة فيروس كورونا الحالية (التي بدأت للتو بالنسبة للكثيرين) سيكون من المثير للاهتمام للغاية كيف ستتغير هيكلية ملكية أهم الأصول العالمية، ومقارنة من وماذا خسر أوربح خلال الأزمة. من اشترى بأبخث الأثمان مستفيدا من الذعر المسيطر ونقص المال والسقوط الهائل للأسواق. وبالتالي أسعار الكثير من الأصول.
إحدى حلقات إعادة التوزيع الكبيرة للأصول هذه، هي تشريع بيع الأراضي الزراعية في أوكرانيا، المدفوع من قبل صندوق النقد الدولي والشركات غير الوطنية، في وقت كان يجب أن يكون من الواضح للوزراء "البلهاء"، ولرؤساء الوزراء المبتدئين، ولرفاقهم الأيديولوجيين، أن أسعار الأراضي في خضم الأزمة ستكون عند حدها الأدنى.
عموما، لأن هذا كان واضحا بالنسبة لهم، اعتمدوا مثل هذا القرار.
إعادة التوزيع الأكبر للموارد، ونهب أولئك الذين لم يفهموا ماذا يحدث، أو سيفهمون بعد فوات الأوان، ما يزال في بداياته فقط...
قناة "أوكرانيا برس" على "تيليغرام": https://t.me/Ukr_Press
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022