يربط الكثير من العلماء والمفكرين والأكاديميين حالة التوتر القائمة والمتفاقمة في القرم بين فئاته بالدين والتدين أكثر من ربطها بالعرق، وخاصة بين الروس المسيحيين الذين يشكلون نحو 40% من إجمالي عدد سكان الإقليم البالغ نحو 1.5 مليون نسمة، والتتار المسلمين البالغ عددهم نحو 500 ألفا.
ويستدلون على ذلك بحالات الاعتداء المتكررة على مساجد ومقابر وبيوت التتار حرقا وكتابة وهدما في الإقليم جنوب أوكرانيا ، التي لا تقابلها ردات فعل تترية تذكر.
ويرى محي الدين خير الدينوف البروفيسور في معهد التربية القرمي أن الحس الديني لدى الروس والتتار تنامى في الإقليم بعد الاستقلال بصورة واضحة بعد أن كان الدين ممنوعا خلال الحقبة السوفيتية.
لكنه أشار إلى أن ضعف المعرفة بالديانات وسوء فهمها وتطبيقها عوامل سببت تفاقم ظاهرة التوتر بين الروس والتتار، وخاصة مع ظهور تيارات دينية تلمح أو تنادي علنا بأن القرم يجب أن يعود للمسلمين خاليا من الروس كما كان في ظل الخلافة العثمانية، أو تنادي بأن القرم روسي مسيحي لا أوكراني، ولا مكانة للتتار المسلمين فيه.
ويلفت خير الدينوف في هذا الإطار إلى أن الظاهرة في القرم "مصطنعة وغير مبررة"، وتحركها "أفكار دينية وعرقية شاذة، و أيادي المصالح السياسية الروسية في الإقليم"، في إشارة منه إلى الدعم الروسي لجماعات تعادي التتار علنا.
التربية الروحية
وبالمقابل يكاد يجمع مثقفو القرم على أن حل هذا التوتر يكمن في غرس التربية الروحية في حياة الشباب من خلال المؤسسات التعليمية، وتعريفهم على مختلف ثقافات وديانات ومعتقدات فئات الإقليم، التي يقدرها باحثون بنحو 150 فئة.
وقد أقيم بالمركز الثقافي الإسلامي في مدينة سيمفروبل أمس واليوم مؤتمر دولي هو الرابع والأضخم من نوعه حول التربية الروحية في حياة الشباب، حضره ممثلون عن عدة وزارات ومؤسسات حكومية واجتماعية ودينية معنية، والعشرات من أساتذة ومعلمي الجامعات والمعاهد والمدارس القرمية.
ومن أبرز كلمات المؤتمر كلمة ألقاها بيخ فولوديمير البروفيسور في جامعة التربية بالعاصمة كييف، قال من خلالها إن المؤسسات التعليمية الأوكرانية تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى "معامل تنتج خريجين فقط، بدل أن تخرج شخصيات للمجتمع"، على حد وصفه.
وأوضح أنه في ظل الحقبة السوفيتية كانت المؤسسات تتجاهل غرس التربية الروحية الدينية في التلاميذ والطلبة على سلبية هذا الأمر، لكنه بالمقابل كانت تغرس فيه قيما نبيلة، لكنها لم تعد تغرس اليوم فيهم إلا العلم، معتبرا أن ذلك يجعلهم في حالة فراغ روحي وخلقي يخلق التطرف ويسبب التوتر.
وشدد ميخائيل تيليهين الأستاذ في جامعة التربية النفسية بالعاصمة الروسية موسكو على أهمية أن تتطرق المناهج الرسمية في القرم إلى التعريف بالديانات والعقائد، لأن جهلها أو سوء فهمها يفاقم التوتر ويزيد من خطورته على وحدة المجتمع والتعايش فيه.
دعوات
وكان لافتا من خلال المؤتمر أن الكثير من المشاركين حملوا الجهات الحكومية المسؤولية الكبرى تجاه هذه القضية، وفي مختلف مجالاتها.
وقالت كاجاميتوفا صفورية رئيسة اتحاد المعلمين التتار إن انتشار وسائل الإعلام "المتطرفة وغير المسؤولة" هي أبرز المصاعب التي تعيق جهود خفض التوتر والحفاظ على التعايش، موضحة أنها بكتاباتها وأفلامها وبرامجها تنشرت الحقد والانحلال الأخلاقي، وتروج العداء للآخرين مباشرة أو ضمنا.
وفي سياق آخر أكدت أن مناهج التربية الدينية في المؤسسات التعليمية حق غائب لأبناء الإقليم، ومنهم التتار المسلمين، لأن ذلك يحصن لهم ثقافتهم وهويتهم من الذوبان السلبي، إضافة إلى كونه يحفظ التعايش السلمي البناء مع غيرهم.
ودعا محمد طه رئيس فرع اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" – أكبر مؤسسة تعنى بشؤون المسلمين في أوكرانيا – إلى توحيد جهود المؤسسات الحكومية والاجتماعية والدينية لتفعيل أدوار التربية الروحية إنقاذا لألق طبيعة وفسيفساء مجتمع القرم، ومحاربة جميع الآفات الخلقية التي تهدده.
هذا وقد تخلل فعاليات المؤتمر ورشات عمل شارك بها الأستاذة الذين حضروه، وتطبيق عملي على طلاب في المرحلة الابتدائية، لتعليمهم أن اختلاف الآخر بالشكل والدين لا يعني أنه سيء ويجب عداؤه.
أوكرانيا برس
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022