تمر في هذا العام الذكرى 68 لمأساة تهجير تتار إقليم شبه جزيرة القرم المسلمين من أراضيهم في جنوب أوكرانيا، وهو الحدث الذي فرض معاناة وآلام على جميع تفاصيل حياتهم، ولا يزال سببا لواقع صعب يهدد مستقبلهم.
تعرض تتار القرم المسلمين إلى التهجير القسري في العام 1944 بأمر من الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، بدعوى الخيانة في الحرب العالمية الثانية، فنقلوا بقطارات شحن في ظروف سيئة قضت على ما لا يقل عن 300 ألف شخص منهم، وشردتهم في بلاد المهجر بشرق آسيا وشمال روسيا.
ويقول د. أمين القاسم الباحث في تاريخ القرم: "رغم تبرئة البرلمان السوفيتي للتتار من تهمة الخيانة في العام 1989، إلا أن ذلك لم يسهم في استعادة كرامتهم، وإعادة حقوقهم وأملاكهم التي صودرت منهم، بل بقوا بنظر شعوب الاتحاد المنهار لاجئين مشردين.
ويؤكد علي حمزين مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس شعب تتار القرم، وهو أبرز مؤسسة سياسية تترية في أوكرانيا، يؤكد أن مأساة التهجير شردت ما لا يقل عن 4 ملايين تتري، معظمهم اليوم يعيشون في تركيا التي هربوا إليها، وفيها أصبحوا أتراكا.
آثار باقية
ولا تزال الكثير من آثار التهجير وآلامه باقية حتى اليوم في واقع حياة تتار القرم، وفي مختلف المجالات.
يقول د. أمين القاسم إن التتار تشبثوا بدينهم وهويتهم وثقافتهم ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم في المهجر، وجهدوا لنقلها إلى الأبناء والأحفاد رغم حظر ذلك عليهم، لكن التهجير أثر سلبا وبوضوح على جميع تلك المجالات، وأدى إلى ذوبان شريحة واسعة منهم في المجتمع الاشتراكي.
ويضيف موضحا: "الكثير من الأبناء والأحفاد اليوم لا يجيدون اللغة التترية، ولا يعرف الكثير منهم عن الدين والثقافة والعادات والتقاليد، فهي لا تنعكس على حياتهم، بل تبرز في إحياء مناسباتهم في أفضل الأحوال".
ويقول إن سنوات الإبعاد لم تسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط للمستقبل، فقد كانوا منبوذين ومسلوبي الحقوق "كخونة"، وبالتالي عاش معظمهم وعادوا فقراء، بعد أن أبعدوا كذلك.
وعلى صعيد آخر يقول الشاب رسلان زين الدينوف إن التهجير مزق عرى التتار الاجتماعية، ولا تكاد توجد أسرة تترية إلا ولديها قصة ترويها حول أحد أفرادها الذين فقدوا أو ماتوا خلال رحلة التهجير، ومنهم جدته التي نزلت من القطار كغيرها لقضاء حاجتها، ثم تحرك القطار فجأة ليترك جميع من نزلوا ويفقدون.
سياسة إهمال
ولا تزال الكثير من المصاعب والمحن مرتبطة بحياة تتار القرم وهاجس مستقبلهم حتى اليوم، بعد 20 عاما على استقلال أوكرانيا، وبدء مشوار عودتهم إلى الوطن.
وإحياء للذكرى 68 لمأساة التهجير، شهدت مدينة سيمفروبل في الإقليم مساء الأمس تظاهرة حاشدة شارك فيها ما لا يقل عن 30 ألف تتري، للمطالبة بحقوق شعبهم، وحلول لقضاياهم المعلقة.
وحول هذه القضايا قال علي حمزين إن أوكرانيا تعترف بالتتار كأقلية عرقية، والدستور الأوكراني يدعم حقوق الأقليات، وخاصة ما يتعلق بتعلم اللغة والحفاظ على الثقافة، لكننا لم نحصل على هذه الحقوق التي نطالب بها دائما.
وأشار إلى أن من أبرز القضايا إقرار مناهج دراسية، وتعويض التتار بأراضي وبيوت بدل تلك التي صودرت منهم بعيد التهجير، الأمر الذي يدعمه الدستور والقانون أيضا، بحسب حمزين.
ولفت إلى أن التتار يصرخون، لأنهم جزء من المجتمع الأوكراني، لكنهم يعيشون كغرباء فيه، وإهمال قضاياهم يهدد مستقبلهم، ويحد من طموحاتهم ونشاطاتهم، ومنها التجارية.
واتهم نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وحكومة رئيس الوزراء ميكولا آزاروف بممارسة سياسة إهمال قضايا التتار عمدا، وأكد أنه لا توجد أية مؤشرات تدل على إرادة حقيقة من قبلهم لحل قضايا التتار.
يذكر أن تعداد تتار القرم يبلغ اليوم نحو 500 ألف نسمة، يسكن معظمهم القرى النائية، وينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة.
ولا توجد في القرم إلا 15 مدرسة قومية خاصة بهم، تحتضن نحو 5 آلاف طالب تتري فقط من أصل نحو 40 ألفا.
أوكرانيا برس + الجزيرة نت
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022
التعليقات:
(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")