كتبها: د. أمين القاسم - القرم
خضعت مناطق شبه جزيرة القرم وشمال البحر الأسود وحوض بحر آزوف للحكم المغولي في القرن الثالث عشر الميلادي.
وبعد وفاة الأمير "إيديغي" أحد أمراء القبيلة الذهبية المغولية الأقوياء عام 1419م سادت الفوضى أرجاء المملكة - التي كانت تمد من سيبريا شرقا إلى ضفاف الدانوب غربا - ومنها منطقة القرم، وبدأت مرحلة الصراع على حكم القرم بين الأمراء لينتصر الحاج كراي ويعلن نفسه خانا أو حاكما للقرم عام 1427م.
حكمت أسرة الحاج كراي منطقة القرم وما جاورها من أراضي روسيا وأوكرانيا مدة تزيد على ثلاثة قرون، وبالتحديد من العام 1441 - 1783م، وتوالى على حكم البلاد حوالي خمسين خانا من ذريته كان آخرهم الخان شاهين كراي (1745 - 1787م) الذي قتل في المهجر في جزيرة رودوس.
ولد كِراي (أو غيراي) في دوقية ليتوانيا عام 1397م، والده غياث الدين بن تاش تيمور من سلالة جنكيز خان (بين كراي وجنكيز خان 8 أشخاص)، أمه آسيا من عائلة غنية، أجداده من القبيلة الذهبية المغولية والذين حكموا أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى واوربا الشرقية والقوقاز ومناطق من روسيا، نشأ وترعرع في ليتوانيا عند أقاربه (تتار ليتوانيا).
وتذكر المصادر التاريخية أن الشاب كراي أدى فريضة الحج إلى مكة المكرمة مع أحد أقاربه عندما كان يعيش في ليتوانيا، وذلك قبل أن يصبح خانا للقرم عام 1427م.
في شهر مارس 1441م وصل كراي إلى القرم وأعلن الاستقلال، وذلك بمساندة من حاكم دوقية ليتوانيا وكبار قبائل الترك القرمية وبعض أمراء المغول ، وتم تعينه رسميا خانا للقرم، فهو بذلك يعتبر مؤسس خانية القرم (مملكة القرم المستقلة).
امتازت شخصية الحاج كراي بالقوة والتديّن، وكان محبا للعلم والعلماء، كريما، مقرّبا من شعبه، متسامحا مع النصارى الذين عاشوا في مملكته.
لقد أعلنت خانية القرم الإستقلال عن حكم القبيلة الذهبية المغولية ( وتسمى أيضا مغول الشمال أو مغول القبجاق) والتي كان يحكمها كوجك محمد (حكم 1435-1459م)، ولكن الدولة المغولية رفضت هذا الأمر وسعت إلى إعادة القرم إلى سيادة دولتهم تارة بالسياسة وأخرى بقوة.
وهكذا نازل الحاج كراي أمراء القبيلة الذهبية - والذين يعتبرون من أولاد عمومته- في معركتين كبيرتين الأولى عام 1453م على ضفاف نهري "دنيبر" في الأراضي الأوكرانية والمعركة الثانية وقعت عام 1465م على نهر" الدون" في الأراضي الروسية حاليا وانتصر عليهم في كلا المعركتين واللتان قادهما بنفسه.
أعماله
قام الحاج كراي بنقل عاصمة البلاد من مدينة القرم (ستاري كريم اليوم) إلى مدينة "كيرك إر" بين جبال القرم تسمى اليوم منطقة (تشيفوت كالي) لتكون حصينة وبعيدة عن خطر الاعداء.
وقام أيضا خلال فترة حكمه ببناء العديد من المساجد والمدارس في أنحاء القرم.
وفتح الحاج كراي بعض المدن والحصون القرمية على البحر الأسود والتي كان يسيطر عليها البحارة الجنويين الطليان وحاصرهم في الشريط الساحلي الممتد من فيادوسيا شرقا إلى بالاكلافا غربا ، ثم عقد اتفاقية عام 1454م مع العثمانيين ضد دوقية جنوة.
وانحسرت قبائل القوط الشرقيين الجرمان - والتي كانت تسطير على أجزاء كبيرة من القرم – في جبال القرم في مدينة مانكوب بجنوب مدينة بغجه سراي في ومدينة إنكرمان على البحر الاسود.
صكّت النقود في عهد الخان كراي وذلك أكثر من مرة. كما ووطّد علاقات طيبة مع كل من مملكتي ليتوانيا وبولندا.
وفي عام 1478م أصبحت خانية القرم حليفا للدولة العثمانية واستمرهذا الحلف الإستراتيجي إلى دخول الخانية تحت الوصاية الروسية عام 1774م.
وبهذه المعارك والتخالفات والإتفاقيات يكون الحاج كراي قد أرسى حدود وأركان خانية القرم.
وكانت دولته تعتمد في دخلها على التجارة والزراعة وتربية الماشية والخيول ( يقال بأنه كان لديهم أكثر من 300 ألف رأس من الخيل).
توفي الحاج كراي الأول عام 1466م في القرم ودفن في قرية سالاتشي في منطقة بغجه سراي وبذلك يكون قد حكم 25 سنة في عام 1501م بنى ابنه الخان منكلي الأول ضريحا على قبره مازال موجودا إلى يومنا هذا.
بعد وفاة كراي الأول تصارع أولاده على الحكم: نور دولت، حيدر ومنكلي لينتصر منكلي ويستلم الحكم بعد والده.
يذكر أن الخان كراي الأول كان معاصرا للسلطان العثماني محمد الثاني الفاتح (1429-1481م).
كان لخانية القرم دور في ترسيخ الإسلام في هذه البلاد إلى يومنا هذا، وقد خرّجت العديد من العلماء والفقهاء والنحويين والقراء والذين دونوا انتاجهم العلمي باللغة العربية وأحيانا بالتركية العثمانية مما ساهم في دفع مسيرة الحضارة الإسلامية.
كما وكانت هذه الخانية خط الدفاع الأول ضد الأطماع الروسية في الأراضي الإسلامية التي كانت تحت السيادة العثمانية وساندت الأخيرة في اكثر من مناسبة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022