محمد صفوان جولاق – رئيس التحرير
بتجميد مساعي الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي بدأت الأزمة الأوكرانية قبل نحو شهر، فالمحتجون ضد قرار التجميد يعتبرون أن الشراكة خطوة عملية على طريق التكامل مع الاتحاد وتطبيق معاييره الاجتماعية والقانونية.
وسرعان ما أخذت الأزمة بعدا سياسيا، بتدخل الأحلاف والدول على المستوى الخارجي انتقادا ودعما للنظام أو المعارضة، وبتوحد المعارضة ودعوتها إلى تنحي الرئيس وإقالة الحكومة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.
ويبدو أن حجم التنازلات والمنح التي قدمتها روسيا لأوكرانيا مؤخرا، وأبرزها خفض أسعار الغاز وإيداع 15 مليار دولار في بنكها المركزي، لم تسهم بحل الأزمة أبدا، بل ربما زادتها توترا واحتقانا لا تزال تشهده وتعبر عنها الاحتجاجات في ساحة الاستقلال وسط العاصمة كييف.
وهنا يرى مراقبون أن للأزمة الأوكرانية بعدا جغرافيا غير معلن، لكل أكبر التأثير على السياسية والاقتصاد والمجتمع في هذا البلد، من خلال "صراع" روسيا والغرب القديم الجديد عليه.
شهادة التاريخ
ويشهد التاريخ على جوانب عدة من هذا الصراع، فأوكرانيا المستقلة كانت لقرون منقسمة إلى جزئين، تبع جزئها الشرقي إلى القيصرية الروسية، وتبع الغربي إلى المملكة البولندية، ما يفسر ميول سكان أقاليم ومدن الغرب نحو الشراكة مع الغرب، وهم الأكثر حضورا في ميادين الاحتجاج اليوم.
ويقول ميخائيل بوغريبينسكي رئيس مركز الدراسات السياسية والصراعات في العاصمة كييف إن الاتحاد السوفيتي أحكم قبضته على الغرب الأوكراني، وإبان حقبته حرم أقاليم ومدن الغرب الأوكراني من نشر المصانع وحتى دعم البنية التحتية كما فعل في أقاليم ومدن الشرق، بسبب ميولها الغربية، ومعاداتها له كـ"احتلال".
وفي هذا الصدد يشير بوغريبينسكي إلى أن الزائر لبعض مدن الغرب الأوكراني يلاحظ أن الكثير من مبانيها إرث تركته المملكة البولندية، إضافة إلى الكثير من العادات والتقاليد.
أمن الحدود
الصراع بين الشرق والغرب على أوكرانيا عاد بعد استقلالها، وكان جليا من خلال دعم الغرب للثورة البرتقالية عام 2004، وعرقلة روسيا (وريثة الاتحاد السوفييتي) لعودة نفوذ الغرب، ولزحف حلف شمال الأطلسي "الناتو" باتجاه حدودها.
وهنا يشير بوغريبينسكي إلى أن روسيا لا ولم ولن ترض أن يكون للغرب نفوذ في "حديقتها الخلفية" قد يشكل تهديدا حقيقا لأمنها، ولذلك وقفت بالمرصاد أما محاولات الغرب نصب قواعد الدفاع الصاروخي على الأراضي الأوكرانية خلال حكم البرتقاليين.
ويضيف أن روسيا عملت على إفشال نظام الحكم البرتقالي، مستخدمة جميع وسائل الضغط عليه وعلى الغرب، وخاصة بإيقاف إمدادات الغاز ثم رفع أسعاره، ما خنق الاقتصاد المحلي وأنهكه حتى اليوم.
ويعتبر بوغريبينسكي أن روسيا نجحت بإبقاء أوكرانيا في معسكرها، وتكلل نجاحها بعودة الموالين لها إلى الحكم عام 2010، ثم بتمديد بقاء أسطولها العسكري على الشواطئ الأوكرانية في البحر الأسود حتى العام 2042. كما يعتبر أن ما قدمته مؤخرا من تنازلات ودعم يضمن بقاء أوكرانيا إلى صفها لسنوات عدة.
الموقع والإمكانيات
وإلى جانب الأمن، تبرز في صراع روسيا مع الغرب على أوكرانيا قضية الموقع والإمكانيات، فأوكرانيا تصل بين الطرفين، ومن أكبر الدول الأوروبية مساحة وغنى بالأراضي الزراعية والثروات الباطنية.
أندريه يرمولايف رئيس مركز "صوفيا" للدراسات الاقتصادية يقول إن روسيا والغرب يدركون أهمية أوكرانيا بالنسبة لاقتصادهم، فعبرها ينقل معظم الغاز الروسي إلى أوروبا، وأراضيها الزراعية الواسعة قادرة على أن تكون سلة غذاء ضخمة، "حتى أن القوات النازية كانت تنقل التربة الأوكرانية السوداء بالقطارات إلى ألمانيا لخصوبتها".
ويشير إلى أن الغرب يطمع في دخول الأسواق الأوكرانية دون قيود، وباستخدام اليد العاملة الرخيصة فيها، والكثير من الشركات الأوروبية انتقلت للإنتاج في أوكرانيا لهذا السبب.
ويشير يرمولايف أيضا إلى أن الكثير من الصناعات الثقيلة مشتركة بين روسيا وأوكرانيا، كالطيران والمعادن والفضاء وحتى السلاح، و"لاشك أن للغرب رغبة في سحب هذه الامتيازات من روسيا لصالحه، والتحكم بها جزئيا أو كليا".
ويختم بالقول "إن لدى أوكرانيا من الإمكانيات ما يجعلها دولة عظمى، ولكن الفساد والتجاذبات والضغوطات تمنع قيامها، وتبقيها أسيرة صراع خارجي وتوترات داخلية".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022