التهديد بغزو أوكرانيا.. مشاكل داخلية تكشف حجم "الضعف الروسي"

نسخة للطباعة2022.01.06

تحشد روسيا جزء كبيرا من قواتها على الحدود الأوكرانية، ربما ليس الجزء الأكبر، لكن التهديد قائم إلى درجة أن أوروبا والولايات المتحدة مستنفرة تقريبا لإيجاد حل دبلوماسي للمشكلة.

لكن خلف الحدود، تواجه موسكو مشكلة تعقد طموحات بوتين "التوسعية"، ففي الوقت الذي لا تظهر فيه بيانات واضحة عن مدى خسائر روسيا من الفيروس التاجي، من المؤكد، بحسب بيانات درستها المجلة، أن البلاد تعاني "أكبر انخفاض طبيعي في السكان" منذ الحرب العالمية الثانية، حيث فقدت 997 ألف شخص في الفترة التي استمرت عاما بين أكتوبر 2020 وسبتمبر 2021.

ولا يبدو أن هذا الانخفاض مرده الفيروس التاجي وحده، إذ أنه يأتي مكملا – وفاتحة – لفترة من التدهور الديموغرافي طويل الأجل، الذي ستعاني منه روسيا طوال العقد المقبل، مما سيعقد طموحاتها الخارجية.

جذور هذا الانخفاض الديموغرافي تعود إلى تسعينيات القرن العشرين والفوضى التي أحدثها انتقال روسيا في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي من اقتصاد مخطط مركزيا إلى اقتصاد رأسمالي قائم على السوق.

وشهدت تلك الحقبة اضطرابات اقتصادية، وبطالة الجماعية، وارتفاعا في معدلات إدمان الكحول، ساهمت كلها مجتمعة بمنح روسيا فترة من أدنى متوسطات العمر المتوقع للذكور في العالم.

ورغم أن معدلات العمر تغيرت بعد هذه الفترة، لكن الأثر الأكثر تعقيدا هو انهيار في معدلات المواليد، حيث انخفض معدل الخصوبة إلى أقل من 1.5، وهو أقل بكثير من معدل التساوي البالغ 2.1 اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان.

ويعني معدل الخصوبة هو عدد الأطفال المتوقع أن تلده المرأة طوال حياتها في بلد ما. فيما يعني معدل التساوي هو عدد الأطفال اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان.

آثار هذا "الانهيار المأساوي وطويل الأمد" في معدلات المواليد واضحة الآن، حيث أن هناك حوالي 12.5 مليون روسي تتراوح أعمارهم بين 30 و 34 ولدوا مع أو قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.

ولكن هناك حوالي 6.5 مليون شخص فقط تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاما ولدوا خلال الفوضى التي سادت أواخر التسعينات.

وتعني هذه الكمية الأصغر من الأشخاص القادرين على الإنجاب أن معدل المواليد ينخفض، وهذا حدث بعد فترة قصيرة من النمو السكاني الطبيعي في منتصف 2010، حيث بدأ سكان روسيا مرة أخرى في الانكماش في عام 2019.

وتشير الأرقام إلى أن العدد سيستمر في الانكماش في المستقبل المنظور. وهذه التوقعات الديموغرافية القاتمة باتت أكثر سوءا مع وصول COVID-19.

كما أن تعاطي الكرملين الأولي مع فيروس كورونا والسماح بانتشار معلومات مضللة عن اللقاحات قد أتت بنتائج عكسية على سكان البلاد، حيث يعد معدل التطعيم واحدا من أدنى المعدلات في العالم المتقدم.

وقد ساهم انخفاض التطعيم، ضعف نظام الرعاية الصحية، في واحدة من أعلى معدلات الوفيات في العالم نتيجة المرض.

وتقدر الحكومة الروسية عدد الوفيات بنحو 300 ألف شخص، ولكن تقديرات أكثر موثوقية من مجلة الإيكونوميست تشير إلى أن الرقم يبلغ مليون حالة وفاة، مما يعطي روسيا معدلات وفاة نتيجة المرض أكثر من أي بلد آخر باستثناء بلغاريا.

روسيا اعتمدت على الهجرة من الجمهوريات السوفيتية السابقة للتعويض عن الخسائر الطبيعية في عدد السكان في الداخل، وفي السنوات الأخيرة، كثفت جهودها من خلال تشجيع المنتمين للقومية الروسية في كل مكان من أوكرانيا إلى أوروغواي - على الهجرة. وبينما يساهم كوفيد-19 بمنع الكثيرين من الهجرة، لا يشجع الركود الاقتصادي في روسيا آخرين على المجازفة بالقدوم إلى البلاد.

كما أن التركيز على القومية الروسية طوال سنوات، قد يعني أن كل أو أغلب الراغبين بالهجرة قد هاجروا فعلا إلى روسيا.

هذا الواقع الديموغرافي قد يشكل العامل الأعظم تقييدا لطموحات بوتن التوسعية في أوكرانيا لسببين، أولهما إن أي غزو لأوكرانيا سيكلف الروس ثمنا باهظا، حيث كان الأوكرانيون مستعدين ومتحمسين لمقاومة الاحتلال الروسي على نحو لم يكن عليه الحال عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014.

كما إن معظم ضحايا الحرب الروس سيكونون جنودا في العشرينات من العمر، وهو جيل يعاني تعداده خسائر أصلا.

أما العامل الثاني المقيد فيتعلق برد الغرب على أي تحرك روسي بشأن أوكرانيا، وقد تسهم العقوبات الاقتصادية بدفع الاقتصاد الروسي إلى مزيد من الركود، مما يقلل معدلات الولادة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

Foreign Policy - ترجمة قناة "الحرة"

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022