بالموسيقى والمسابقات واللعب مع الصحفيين، انتظروا النتائج الأولية لآراء الناخبين ونتائج فرز الأصوات في مقر المرشح لرئاسة أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي.
هناك، تحدى الفنان الاستعراضي الكوميدي الصحفيين برياضة البينغ بونغ، وفي الرياضة يتحمل بعض الخسارة، لكنه لم ينتظرها في السياسة، بل تحدث بمزاح حول أمورها.
يبدو أن فريق زيلينسكي كان واثقا من الفوز، ولا تخيفه الجولة الثانية التي صعد إليها مع الرئيس الحالي بيترو بوروشينكو، وبفارق يبلغ ضعف نسبة الأصوات تقريبا (أكثر من 30%).
من هو زيلينسكي؟
صعود زيلينسكي يعتبر نقطة تحول عن المسار التقليدي للحياة السياسية في أوكرانيا، التي كان يديرها قدماء الساسة وكبار رجال الأعمال.
فالفنان الكوميدي قد يكون أصغر رئيس للبلاد في ربيع عمره الـ40، وأقلهم خبرة في السياسة، التي لم يدخلها رسميا إلا مع نهاية 2018، وإن كانت دائما محلا رئيسيا لأعماله الاستعراضية الساخرة.
ولد زيلينسكي في مدينة "كريفي ريه" بشرق أوكرانيا، وسطع نجمه كممثل برز منذ العام 1997 على مسرح برنامج "كي في إن" الفكاهي الساخر في روسيا، ضمن فريق أسسه يحمل اسم "95 كفارتال"، الذي أصبح لاحقا اسما لمؤسسة إعلامية ضخمة يترأسها في أوكرانيا.
لم يهتم أحد بمواقفه السياسية، لكنه كان داعما للحراك الاحتجاجي المناوئ للهيمنة الروسية في 2013 و2014، ومعاديا صريحا لها بعد ضم القرم وتغذية الحرب في الشرق، وداعيا إلى تقارب البلاد مع الاتحاد الأوروبي.
زيلينسكي وروسيا
مواقف زيلينسكي السياسية -على قلتها- فتحت أبوابا من التكهنات حول ميوله ومستقبل علاقات البلاد الخارجية في ظل حكمه المحتمل، وخاصة مع روسيا.
أبرز موقف تعرض له يتعلق بموضوع ضم القرم إلى روسيا واحتلال أجزاء من إقليم الدونباس في الشرق، حيث قال إنه "مستعد للركوع أمام بوتين، حتى يعيد هذه الأراضي إلى أوكرانيا".
ركوع فسره لاحقا زيلينسكي بأن "ذله كشخص أفضل من ركوع ومذلة أوكرانيا كدولة"، كما يرى.
البعض يرون أنه روسي الميول، مستشهدين بلغته الروسية التي يستخدمها غالبا، ويدافع عنها أمام الأوكرانية التي باتت عنوانا للوطنية بعد 2014؛ كما يستشهدون بأعماله الفنية الكثيرة في روسيا، أو التي أقيمت بالتعاون معها.
ويرى منتقدوه أن ضحالة خبرته وضيق أفقه السياسي خطر يهدد البلاد، ومن ذلك تصريح لافت له حول ما سيقوله لبوتين عند أول لقاء معه كرئيس: "إذا التقيت مع بوتين سأقول له: والآن، بعد أن أعدت أراضينا، بكم ستعوض احتلالها، والأشخاص الذين نزحوا جراء الضم والتصعيد في شبه جزيرة القرم والدونباس؟".
هنا، يتحدث زيلينسكي وكأن بوتين انتظره ليعيد القرم والدونباس طوعا إلى أوكرانيا، ويدفع مخالفة أو تعويضا عما حصل.
لغز الصعود
صعود زيلنسكي السريع في عالم السياسة نحو القمة يثير كثيرا من الأسئلة والتساؤلات حول الأسباب والعوامل التي شكلت "لغزا" إن صح التعبير، دفعت الناخبين إلى دعمه والتصويت لصالحه.
أنفق زيلينسكي نحو 11 مليون هريفنا على دعايته الانتخابية، أي ما يعادل نحو 405 آلاف دولار، وكان بذلك أقل المنفقين، في حين كان الرئيس الحالي أكبرهم، ووصل لديه الرقم إلى 15 مليون دولار، بحسب لجنة الانتخابات المركزية.
إيرينا كوفالتشوك محررة في صحيفة "سيفودنيا" (اليوم)، وهي واحدة من أشهر الصحف وأوسعها انتشارا في أوكرانيا، فسرت في حديث مع الجزيرة نت تقدم فولوديمير زيلينسكي برغبة إحداث تغيير حقيقي، لا يأتي إلى السلطة بشخصيات تقليدية سياسية أو ثرية بقيت في المشهد 20 عاما دون نتيجة، على حد قولها.
ولكن آخرين لا يستبعدون أن يكون زيلينسكي واجهة يريد من خلالها رجل الأعمال البارز إيهور كولومويسكي العودة إلى مشهد السلطة، وهو الذي لمح صراحة إلى دعم زيلينسكي وغيره في مواجهة الرئيس الحالي بوروشينكو.
دور البطولة
الكاتب والمحلل السياسي دميترو ليتفين يقول: "طبيعة الحياة السياسية في أوكرانيا تقتضي وجود بطل أو رمز في عيون الشعب، كما برز يوتشينكو وتيموشينكو إبان الثورة البرتقالية 2004، تلاهم يانوكوفيتش في 2010، ثم بوروشينكو في 2014، وكان آخرهم الملاكم فيتالي كيلتشكو، الذي أصبح عمدة للعاصمة كييف".
ويضيف: "زيلينسكي كان ذلك البطل، الذي قدم نفسه جيدا من خلال جميع أعماله الفنية الأخيرة، وخاصة من خلال مسلسلات وأفلام "خادم الشعب" كرئيس جاء كموظف مسؤول، يعرف جيدا ما يجب القيام به ليخلص البلاد من أزماتها".
لكن أوليكسي هاران مدير مركز "التحليل السياسي" يقول إن "زيلينسكي ليس الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغين الذي عمل ممثلا أيضا، فالأخير مارس السياسية مدة 20 عاما، والأول لم يتحدث عنها إلا كممثل فقط".
واعتبر هاران أن من أسباب صعود نجم زيلينسكي هو وجود "رغبة انتقام من الساسة والأثرياء" لدى الشعب، وتأثر "ساذج" من قبل شريحة واسعة من الأوكرانيين بالصورة التلفزيونية التي قدمها بعيدا عن الواقع، على حد رأيه.
تمزق أوكرانيا
وإذا ما استندنا إلى برنامج زيلينسكي الانتخابي، وما تضمنه فيلم "خادم الشعب" الأخير بأجزائه الثلاث من سياسات ومبادئ، فإنه "كرئيس محتمل" سيعمل على وقف استقطاب أوكرانيا وتمزقها بين الشرق والغرب.
يتعهد زيلينسكي بالتركيز على ترتيب ودعم البيت الداخلي، الذي يوحد ميول الأوكرانيين أنفسهم حول "الوطنية"، بين شرق وغرب، وناطقين بالأوكرانية أو بالروسية.
وآخر أعماله "الفنية" لمحت إلى أهمية النهوض بأوكرانيا نحو العضوية في "مجموعة الدول العشرين"، وسداد الديون الغربية لتعزيز الاستقلال، ودخول "عالم الفضاء".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022