ما إن أعلنت أوكرانيا "حالة الحرب" أو تطبيق قانون الأحكام العرفية نهاية الشهر الماضي، حتى تسارعت إجراءاتها العسكرية على الأرض، تحسبا -على ما يبدو- لمواجهة آتية لا محالة مع روسيا، كما صرح مسؤولون.
مناورات عسكرية تجري في 3 مناطق غرب العاصمة كييف، وتسليم قوات الجيش 20 طائرة محدثة من طراز ميغ 29 وميغ 8 وسوخوي 27، واستدعاء جزئي لقوات الاحتياط، وانتشار وحالة تأهب قصوى في 10 مناطق تخضع لقوانين الأحكام العرفية.
كما أعطت قيادة القوات البحرية الأوكرانية إذنا لوحداتها بإطلاق النار "دون تحذير" على أي "جهات معادية تظهر العدوان، أو تنتهك مياه البلاد الإقليمية".
خلال إحدى المناورات في منطقة جيتومير، صرح الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو بالقول إن الجيش الأوكراني بات مستعدا للرد بشكل سريع وفعال على أي تهديد.
وكانت أوكرانيا قد أعلنت "حالة الحرب" بعد استهداف 3 سفن حربية تابعة لها من قبل سفن حربية روسية في 25 نوفمبر الماضي قرب مضيق كيرتش، الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، لتحتجز روسيا بعدها السفن الأوكرانية وتعتقل طواقمها المكونة من 24 بحارا.
الناتو - أوكرانيا
إجراءات أوكرانية تجمع بين الجدية والتصعيد إذا، وتفوق بجرأتها -إن صح التعبير- ما خرج عن اجتماع "أوكرانيا - الناتو" مطلع الأسبوع الماضي.
اجتماع لم يأت بجديد، كما يرى مراقبون؛ فقد اقتصرت تصريحات الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ على تكرار عبارات دعم وحدة وسيادة أوكرانيا، والمساعدة على تطوير قدرات الجيش الأوكراني من خلال تدريبات مشتركة، ودعوات إطلاق سراح البحارة الأوكرانيين والسفن الأوكرانية المحتجزة، وتوفير حرية الملاحة الدولية في مضيق كيرتش وبحر آزوف.
أما الدعم الحقيقي المعلن، فذهب لصالح الدول الأعضاء، وجاء من خلال تأكيد ستولتنبرغ على أن الحلفاء سيعززون الأمن الجماعي كاستجابة مباشرة للعدوان الروسي الأخير على أوكرانيا، مشيرا إلى "تشكيل قوات الرد السريع، والكتيبة متعددة الجنسيات على الحدود الشرقية".
الأولوية للأعضاء
واضح أن الناتو لا يريد التصعيد والمواجهة المباشرة مع روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، ولهذا ما يفسره لدى شريحة واسعة من المسؤولين والمحللين معا.
إيهور كوهوت مدير مركز "التحليل السياسي" في كييف، قال إن مخرجات اجتماع الناتو - أوكرانيا كانت متوقعة، فالأخيرة ليست عضوا في الحلف ليلتزم بدعمها، ودول الحلف منقسمة بشدة إزاء طرق ووسائل التعامل مع روسيا والأزمة الأوكرانية.
ورأى كوهوت أن الناتو، ودول الغرب عموما، تدرك خطورة تفاقم الأزمة الأوكرانية مستقبلا عليها، لكنها غارقة في أزماتها أيضا، كاحتجاجات فرنسا وقانون بريكست وأزمة اللاجئين والتدخل في الانتخابات والتصعيد الاقتصادي مع الصين، ولهذا تتجنب التصعيد المباشر مع روسيا.
هذه العوامل الرئيسية، وغيرها، تضع أوكرانيا وحيدة عمليا في مواجهة روسيا، ومجبرة على اتخاذ إجراءات سريعة وصعبة، يقول كوهوت.
إدراك الغرب
ولكن، ثمة رأي آخر يرى نقيض ذلك تماما، ويعتبر أن التصعيد الأوكراني يرتبط بتنسيق أكيد مع الشركاء الغربيين، الذين باتوا يدركون أكثر حجم التهديد الروسي.
الكاتب والمحلل السياسي آيدير موجدابايف قال: "نحن أمام خيارين، فإما أن الرئيس الأوكراني اتخذ إجراءات التصعيد بعد التنسيق مع الغرب والتعويل عليه، أو اتخذ قرارا ليُشعر الغرب بحقيقة الخطر الروسي.
وأضاف: "أنا أميل بشدة إلى الخيار الأول، فبيترو بوروشينكو لم ينتهج مع الغرب سياسية الأمر الواقع مسبقا، والتطورات الأخيرة في بحر أزوف زادت -ولا شك- مخاوف الغرب"، في إشارة إلى ضوء أخضر منحه الغرب لأوكرانيا.
بوروشينكو كان قد أكد مرارا أن بلاده هي حائط الدفاع الأول عن أمن أوروبا، وزيادة مساحة سيطرة روسيا في شرق أوكرانيا والبحر الأسود وبحر آزوف وأراضي القرم ومنطقة الشرق الأوسط، ثم مستقبلا في بحر البلطيق حيث تتمركز قواتها وتجري مناورات ضخمة، عوامل ستؤدي عاجلا إلى المواجهة وحرب عالمية، أو إلى التسليم بقوة ونفوذ روسيا المتمدد، وهذا ما لا يريده الغرب، بحسب موجدابايف.
ماهية الدعم
وحول ماهية الدعم المطلوب لأوكرانيا، قال الكاتب والمحلل السياسي آيدير موجدابايف إنه يبدأ بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الدفاعية النوعية التي تفتقر إليها، ثم بفرض عقوبات سياسية واقتصادية جدية على روسيا.
ولفت في هذا السياق إلى أن أوكرانيا لا تخشى غزوا بريا على أراضيها، لأن هذا ليس نهج روسيا، ولا تريد من الغرب دعما بالجنود، بل بالأسلحة القادرة على صد وتدمير طائرات ودبابات ومدافع وسفن روسيا عند الحاجة، وهذا ممكن، لأنه أقل صعوبة من قرار المواجهة المباشرة.
وأوضح أن العقوبات الغربية الراهنة على روسيا شكلية، لأن اقتصاد روسيا يعتمد بنسبة 85% على بيع النفط والغاز للأوروبيين أنفسهم، الذي يفرضون العقوبات؛ وهذا "اللعب" لن يضع حدا لطموحات بوتين نحو إعادة أمجاد وعظمة روسيا، على حد قوله.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022