إذا أردنا البحث في الفيزياء توجهنا إلى ما نُشر عن البرت اينشتاين أو ستيفين هوكينغ، حيث أنهما أثبتا جدارتهما الفكرية والعلمية. وكما في العلوم عليك أن تكون باحثاً جيداً، الأمر لا يختلف في ما يخص البحث العميق في كرة القدم عن لاعبين مميزين قد يصبحون من بين الأفضل في العالم. رحلة البحث هذه تحتاج إلى تحديد الوجهة الجغرافية المناسبة، حيث أنها مفتاح لإيجاد ما تريده الفرق ومدارسها.
ولعل المكان الأمثل للبحث الذي يقصده «صائدو المواهب» أو «الكشافون» هو جنوب غرب الكرة الأرضية إلى المكان الذي اكتشفه الإيطالي كريستوفر كولومبوس. يجوب هؤلاء الشوارع في مكان تحجب أسقف البيوت المصنوعة من التنك ضوء الشمس ولكنهم يعرفون جيداً أنهم لن يخرجوا خالي الوفاض. هناك في «الفافيلاس» الأحياء العشوائية أو غيرها من المناطق في البرازيل في القارة الأميركية الجنوبية يسقى الصغار حب كرة القدم ليصبحوا في ما بعد أهدافاً للأندية البرازيلية والأوروبية.
ولعل أبرز الفرق التي تحب البحث في البرازيل شاختار دونستيك الأوكراني، الذي يرتبط اسمه دائماً بالتعاقد مع لاعبين برازيليين.
في أوكرانيا كان دينامو كييف هو الفريق الذي يعرفه العالم بأسره في القرن الماضي، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع الألفية الجديدة ظهر الفريق الذي يقال عنه في أوروبا «المستعمرة البرازيلية» كإشارة إلى وجود العديد من اللاعبين البرازيليين فيه.
فرض شاختار منذ 2001 سيطرته محلياً، وبات ينافس أوروبياً ويتأهل إلى دوري الأبطال. والقصة الجميلة التي ستبقى عالقة في أذهان جمهور مدينة دونيتسك كتبت في العاصمة التركية اسطنبول، يوم توّج شاختار بلقب كأس الاتحاد الأوروبي وهو ثاني الألقاب الأوكرانية أوروبياً. اللافت في تلك المباراة النهائية أن التشكيلة الأساسية لشاختار التي واجهت فيردر بريمن الألماني كان فيها خمسة لاعبين برازيليين فوق أرضية الملعب هم فيرنانديو، ويليان، جادسون رودريغيز دا سيلفا، إليسنيو ولويز أدريانو. وإذا بحثنا أين أصبح هؤلاء بعد سنوات قليلة من هذا النهائي سنرى أنهم توجهوا إلى أندية كمانشستر سيتي، تشلسي وميلان. شاختار دونستيك لم يتوقف عن منح الشبان البرازيليين فرصة للظهور للأندية الأوروبية فظهر بعد هذه الأسماء بيرنار ودوغلاس كوستا وفريد المنتقل حديثاً إلى مانشستر يونايتد مقابل 50 مليون جنيه استرليني.
يملك شاختار حساباً على «تويتر» ينشر بالبرتغالية التي ينطق بها 90% من الشعب البرازيلي:
معظم البرازيليين الذين يتعاقد معهم شاختار يؤدون أدواراً هجومية إما في مركز وسط الميدان أو يلعبون على الأطراف أو كمهاجمين تقليديين. إذا توقفنا هنا لحظة وأخذنا نبحث عن بقية اللاعبين في الفريق بداية من السنة التي تُوّج فيها شاختار بكأس الاتحاد الأوروبي. وجدنا أن الفريق يعتمد في الخطوط الأمامية على البرازيليين الذين يتمتعون بالسرعة والقادرين على قيادة الهجمات المرتدة السريعة وقد انتهجوا هذه الطريقة لسنوات، أما الأسماء الأخرى وتحديداً في الخط الخلفي (الدفاع) فإنهم يأتون بلاعبين يتمتعون ببنية جسمانية قوية. الفكرة من هذا المزيج بنظرهم هو أن تكون قوياً في الدفاع وقادراً على التصدي للكرات العرضية، والتفوق البدني على المهاجمين مهما اختلفت مستوياتهم. في الوقت الذي يكون لديك هجوم قادر على أن يضمن لك الانتصار، رغم ذلك فإن هذه الفلسفة الكروية لم تنجح كثيراً أمام لاعبين أمثال ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. وبعيداً عن طريقة اللعب، فإن النادي يخوض تحضيراته للموسم في خوضه مباريات في البرازيل، ويرى بعض البرازيليين المعنيين بالشق الرياضي أن الفريق الأوكراني يختار لاعبيه البرازيليين في فترة التحضير التي تسبق الموسم.
يقول روبنز بلاجبيرغ وهو أحد اللاعبين في أندية الهواة في ريو دي جانيرو: «لم سيرفض اللاعبون اللعب لشاختار، فهذا الفريق يمنحهم فرصة ليلعبوا في دوري المحترفين، كما أن هذه الفرصة كانت مؤاتية لبعض أصدقائي العاملين في الهندسة والطب لكنهم فضلوا أن يبقوا في اختصاصهم. كرة القدم حديث جميع الشبان طوال اليوم في بلدنا». إذاً فإن نظرة اللاعبين الذين يسافرون إلى أوروبا على أنها فرصة يجب استغلالها من أجل الاحتراف. شاختار تحول إلى فريق برازيلي، فهو يملك حساباً على «تويتر» ينشر بالبرتغالية التي ينطق بها 90% من الشعب البرازيلي، كما يملك اليوم 9 برازيليين في تشكيلته بعد رحيل لاعبين عنه، حيث أنه وقع في بداية سوق الانتقالات مع أربعة لاعبين برازيليين جدد. السؤال الذي يبقى محيراً ما هو السر خلف هذا الحب للاعبين القادمين من بلاد «الكوباكبانا».
الجواب الأفضل عن هذا السؤال هو ميرسيا لوسيسكو، المدرب الروماني الذي قضى في شختار 12 عاماً، حيث كانت البداية في 2004 قبل أن يرحل في 2016، فيما كانت بدايته كمدرب عام 1979 وهو المدرب الحالي للمنتخب التركي في حين جاء باولو فونسيكا خلفاً له. قبل وصول لوسيسكو بعامين كان رودريغيز برانداو أول البرازيليين في دونيتسك، لكن القصة بدأت بالفعل عند وصول الروماني. إذ راهن رينات أحمدوف مالك النادي أن لوسيسكو سيكون الرجل المناسب للمساعدة في الحلول مكان دينامو كييف ومحاولة الهيمنة على الدوري الأوكراني. بالفعل ما تقدم به لوسيسكو كانت خطة استراتيجية مثالية وهو الأمر الذي دفع مالك النادي للإبقاء عليه كل هذه الفترة. حول المدرب الجديد شاختار إلى فريق يلعب بطريقة تقليدية في الدفاع وجاذبة في الهجوم، والحل الأمثل كان التعاقد مع البرازيليين. ومن أجل خلق التوليفة الأفضل راح لوسيسكو يتعلم البرتغالية.
خطة لوسيسكو لم تكن كروية فقط إنما كان الروماني يملك خبرة أبعد من كرة القدم فقط. لوسيسكو كان يعرف أن أحمدوف يملك الملايين لكنه كان قادراً على تحديد إمكانية تنشيط هذه الثروة في كرة القدم، فشاختار لم يكن قادراً على منافسة الأندية الكبيرة في سوق الانتقالات. فاتبعوا نموذج أعمال مماثل لذلك الذي لبورتو أو بنفيكا البرتغاليين. حيث أدركوا أنهم لا يستطيعون التنافس على أكبر اللاعبين لأنهم ليسوا في الدوري الإنكليزي الممتاز، وليسوا بايرن ميونخ أو برشلونة وريال مدريد. لذا فهم يشترون المواهب ويعملون على صقلها وتنميتها بدلاً من المنافسة السوقية، ويأملون أن يتمكنوا من بيعها. وتخمين أين هو أكبر تجمع للمواهب في كرة القدم ليس بالأمر الصعب. إنها أميركا الجنوبية. فشراء لاعب من سانتوس أو كورينثيانز مقارنة بلاعب يلعب في لليغيا أو بارتيزان أفضل.
رغم رحيل الروماني فإن شاختار دونيستك لم يغير أسلوبه في التخطيط واللعب. ليستمر إرث لوسيسكو الذي كان في 2015 خامس مدرب يلعب مئة مباراة في دوري أبطال أوروبا، وهذا خير دليل على درايته بعالم كرة القدم على الرغم من أنه لم يدرب أيّاً من الفرق التي تنافس بشكل لافت على الألقاب أوروبياً.
انتقل لاعب شاختار دونيتسك الأوكراني بيرنارد إلى إيفرتون بصفقة انتقال حرّ بعقدٍ يمتدّ لخمس سنوات. وكان اللّاعب محطّ أنظار كلّ من تشيلسي الإنكليزي وميلان الإيطالي، إلّا أنّ اللّاعب فضّل الذّهاب لإيفرتون حيث سيلعب أساسياً. برز اسم اللاعب أوروبياً في موسم 2013 ــ 2014 مع ناديه، الأمر الذي أقنع المدرّب سكولاري باستدعائه للمنتخب، وخلف اللّاعب نيمار بعد أن أصيب ليلعب بالنّصف نهائي ضد ألمانيا.
الأخبار اللبنانية
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022