لماذا الأن يا ثوار سوريا؟ كيف مهدت كورسك الطريق إلى حلب

نسخة للطباعة2024.12.04
عبد الرحمن الشامي

لا يزال الزحف السريع للقوات الثائرة في سوريا يحير الكثيرون, فالقوات الثائرة الى اسبوع من موعد كتابة هذه
المقالة لم تكن بأفضل حال على الخريطة, وبينما كان المتابعون يتوقعون تشديد الحصار عليها في ادلب ولربما قضم المزيد من المساحات في ادلب حصل ما هو غير متوقع, إذ بدأت تلك القوات بالتوجه الى ريف حلب الغربي ومنه الى واحدة من اقدم مدن العالم وثاني أهم مدينة في سوريا, وعاصمة سوريا الصناعية مدينة حلب التي أصبحت في ايدي الثوار في زمن قياسي يقدر بين اليوم واليومين.
ومع أن سرعة التقدم أصبحت اقل من البداية إلا أن الثوار مستمرين في التقدم لحد كتابة هذه المقالة وصولا الى حدود مدينة حماة وأتوقع شخصياً أن يدخلوا المدينة في وقت ليس بالطويل! مما يؤكد أننا أمام تغير واضح في المشهد السوري, المشهد الذي لم يشهد تغير حقيقي منذ سنوات طويلة فكيف استفادت القوى الثائرة من عامل التوقيت الأكثر من ممتاز؟

بداية وعلى الرغم من إصرار الكثير من المتابعين للحرب في سوريا بوصفها ب "الحرب الأهلية" إلا أن الواقع يقول أن سوريا التي كان يحكمها نظام دكتاتوري تحولت الى أرض للقواعد العسكرية الأجنبية في فالأسد لم يخجل ان يستعين على الشعب السوري بقوى خارجية منذ بداية الثورة, الأمر لم يكن علنياً لكن قوى مثل حزب الله التي أنكرت بداية مشاركتها في قمع الشعب السوري ما لبثت أن اعترفت عن تواجدها ومشاركتها بالقمع منذ البداية, تحول الوجود المحدود للعناصر الأجنبية في سوريا فيما بعد لمشاركة علنية رسمية, وعلى الرغم من صعوبة تقدير عدد القوات الأجنبية المشاركة الا أنه وبشكل تقريبي بلغت مشاركة الكتائب التابعة الى ايران من حشد شعبي بكافة فصائله وحزب الله الى حوالي مئة ألف مقاتل دفعة واحدة, أما الروس فقد اعتمدوا بداية على الطيران في سوريا ومع فشل هذه الاستراتيجية اضطر الروس الى تغييرها وتواجد عناصر روسية مقاتلة على الارض ليبلغ المجموع 63 ألف
على الطرف الأخر كان هناك متطوعين أجانب لكن قسم كبير منهم سرعان ما تحول الى عناصر في تنظيم الدولة (داعش) قبل أن يشهد التنظيم انحساراً كبيراً في السنوات الماضية
مما سبق كان من الواضح أن نظام الاسد الذي شهد تراجعاً كبيراً على الأرض قبل الزيادة الكبيرة في المساعدة الايرانية وبعدها الروسية يعتمد بشكل هائل على الدعم الروسي والإيراني كركائز أساسية وهو ما تجلى بوصول سيطرة الثوار إلى حوالي 70 في المئة من الاراض السورية قبل زيادة الدعم الايراني الروسي, بالتالي مشكلة الثوار الأساسية كانت إيحاد طريقة لإيقاف أو على الأقل تخفيف هذا الدعم

الهجوم الأوكراني الخاطف على كورسك

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا فهم الثوار في سوريا ان روسيا التي كانت قبل الحرب الاوكرانية تمد اذرعها العسكرية في اغلب قارات العالم لم تعد تملك نفس التركيز, فتعدد الجبهات في سوريا والسودان وليبيا وافريقيا الوسطى ومالي وفنزويلا ليس بالأمر السهل في ظل الغزو الروسي على أوكرانيا الذي عندما بدأه بوتن لم يكن يعتقد أنه سيتحول الى حرب حقيقية مفتوحة تستنزف الجيش الروسي والميلشيات العسكرية الروسية غير الروسية وأهمها فاغنر, التي كانت ركيزة أساسية في اغلب مغامرات روسيا العسكرية خارج ارضها لتعمل بشكل غير رسمي, لكن قوات فاغنر تراجعت بشكل كبير بعد الخسائر البشرية في باخموت والتي نتج عنها تحرك بريغوجن بمن بقي باتجاه موسكو قبل ان يوقع اتفاقية ظن انها ستحمي حياته انتهت بعد ذلك بايام بقتله ومساعده الاهم اوتكين المؤسس والمهندس العسكري لفاغنر, ليتم بعدها اسيتعاب من تبقى بعد ذلك من فاغنر

اذا خسارة روسيا لفاغنر افقد الروس مرونة مهمة خارج روسيا اضف الى ذلك الاستنزاف الرهيب للقوات الروسية (تقدر الخسائر البشرية الروسية منذ بداية الحرب 700 ألف جندي بين قتيل وجريح ومفقود وأسير ) كل هذا بكل تأكيد سيصعب من مهمة روسيا الاستمرار بانقاذ بشار الأسد, لكن الحقيقة أن النقطة الأهم ربما كانت العملية العسكرية الأوكرانية في كورسك, السبب في ذلك هو أن الهدف الأساسي من هذه العملية كان سحب القوات الروسية التي كانت تحاول التقدم من محاور الدونباس وخاركيف على الأراضي الأوكرانية واعادتها الى العمق الروسي للدفاع عن كورسك, لكن بوتن الذي أدرك ان سمعته في خطر بعد عملية كورسك أصر على ابقاء اغلب العناصر المشاركة في الدونباس وسحب بعض الوحدات من محور خاركيف وبدأ بحشد قوات جديدة لمحاولة استعادة كورسك, وعلى الرغم من تصريحات الروس تقريباً منذ اليوم الأول ان العناصر الأوكرانية محاصرة وفي "فخ كبير" إلا أنه من الواضح أن عملية كورسك ادت الى استنزاف كبير للجيش الروسي والذي وبعد أن راهن على أنتصار ترامب أصبح يدرك أن صفقة تلوح في الأفق وانه يملك مهلة تزيد عن السبعين يوم لحد بدأ حقبة ترامب والمطلوب في هذه الفترة هو اخراج القوات الأوكرانية من كورسك واحتلال أكبر عدد ممكن من الأراضي الأوكرانية قبل بدأ المفاوضات! كورسك طبعا تملك الأهمية الأساسية, اذ لا يريد "القيصر" أن يبدأ المفاوضات وأوكرانيا تحتل أراض روسية مهما كانت مساحتها, فأحد أهم الأهداف من المفاوضات تثبيت الحدود الحالية

حال المحور الايراني

ليست ايران بأحسن حال من روسيا فاستغلال ايران انشغال جيش الكيان بحرب الابادة على سكان غزة للرد على الاستهداف الاسرائيلي المستمر للقادة الايرانيين في سوريا, خاصة بعد عملية استهداف السفارة الايرانية في سوريا ومقتل قادة من الصف الأول في الحرس الثوري لم يعد على ايران واذرعها بالنتيجة المطلوبة خاصة وان نتنياهو الذي عجز عن تحقيق انتصار في غزة مهتم جدا بتوسيع نطاق الحرب, فرد على الرد الايراني بتصعيد كبير جدا في جنوب لبنان استنزف من الذراع الايراني الاهم في لبنان وسوريا, حزب الله قوته الاساسية وقادة الصف الأول كلهم, ايضا فأن التصعيد بين الكيان وايران يعني بأن الميلشيات الإيرانية حرة الحركة عادة في سوريا لم تعد تتحرك بنفس الحرية فأمريكا أصبحت متخوفة من الوجود الإيراني في سوريا ولن تسمح بنفس نسبة التواجد كما كانت تسمح به سابقا

ماذا عن الامارات؟

الحلول الاخرى أمام الاسد الذي اعتاد ان يواجه شعبه بقوى أجنبية هي بطلب دعم من الامارات كي تحرك حلفائها لكن المشكلة هي ان حلفاء بن زايد الذي يدعم الاسد بقوة أيضا ليسوا بأفضل أحوالهم, فبينما يخشى حفتر من ان خروج قواته من ليبيا يعني استغلال الطرف الاخر لذلك فأن حال الجنرال حمدوك في السودان اسوء بكثير فهو يعاني تراجع كبير مع قوات الدعم السريع امام تقدم الجيش السوداني مما يعني ان دائرة المساعدة الاجنبية تضيق على بشار الاسد.

لماذا الأن

الصراحة أن جواب "لماذا الأن" اعتقد ان الاجابة أصبحت واضحة! لقد استعدت هذه القوات لهذه العملية
كما هو واضح منذ وقت طويل منتظرة الفرصة المناسبة ومن الواضح ان هذه الفرصة ليست فقط مناسبة بل هو توقيت اكثر من رائع خاصة وان عهد الرئيس الأمريكي ترامب يقترب وان كثير من القوى العالمية تريد استغلال هذه النافذة قبل وصوله لتصفية حساباتها الخاصة ليجد الأسد نفسه وحيداً أمام شعبه الذي طالما استقوى عليه بقوى الأرض
لطالما تردد السؤال الساذج عن تزامن العملية العسكرية مع تهديدات نتنياهو للاسد ويتناسى اصحاب هذا السؤال ان نتيناهو هدد الأسد مراراً وتكراراً خاصة في الشهرين الأخيرين وأن العملية العسكرية المعقدة في سوريا يستحيل ان يكون تم إعدادها في يوم او يومين او شهر او شهرين! نحن أمام عملية عسكرية غاية في التعقيد وفيها عناصر مدربة بشكل ممتاز وبتسليح بسيط غير معقد لكنه منتظم بشكل رائع! عملية كهذه يتم التحضير لها لسنوات! اما عن التزامن مع التصريح الاخير لنتنياهو؟ اعتقد شخصيا اغلب الظن ان مخابرات الكيان علمت ان عملية قادمة وأن التهديد الاخير كان للاسد بانها هذه المرة ستضرب القوات الايرانية التي يمكن ان تنقذ الاسد ولن تتركه يستقوي بهم مثل كل مرة وهو ما نراه يحصل على الارض بالفعل من تهديد أمريكي اسرائيلي للفصائل الإيرانية على غير العادة خاصة من الطرف الأمريكي

الخلاصة

لقد استفاد بشار الاسد لفترة طويلة جدا من تأمر عالمي على الشعب السوري ليثبت حكمه ويبقى في السلطة رغم الرفض الشعبي له, لكن الثوار عملوا بصبر واجتهاد وتعلموا من دروس الماضي من جهة ودرسوا الحروب الحالية من جهة أخرى وغيروا سلاحهم وبدؤوا بالاعتماد الكبير على الطيارات المسيرة (الدرونات) واستخدموا الكثير من الاستراتيجيات التي طبقها الجيش الاوكراني مع الجيش الروسي الذي درب جيش الاسد لسنوات طويلة, استفاد الثوار بشكل كبير من كل الدروس من الحرب بين الروس والاوكران والاغرب من ذلك ان قائد العمليات العسكرية الروسية في سوريا هو الجنرال سيرجي كيسيل هو نفسه قائد العمليات العسكرية السابق في خاركيف والذي شهد الاخفاق الأكبر ربما في تاريخ الحروب الروسية الحديثة عندما استعادت القوات الاوكرانية الغالبية الساحقة من اراضيها على محور خاركيف خلال ايام تحت قيادته! لذلك ليس من الغريب ابدا ان يكرر الجنرال كيسيل فشل خاركيف في حلب, لكن هذا يؤكد مرة اخرى على أن الثوار هذه المرة استعدوا بشكل طويل وصبور لمعركة طويلة حاسمة بعد دراسة عميقة لارض المعركة وادواتها وبتوقيت أكثر من رائع مستفيدين من الانتقال الى مفهوم الحروب الحديثة وبفكر عملي على عكس الاسد الذي في عصره بقي جيشه كما البلد تحت حكمه في العصر الحجري
 

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022