وصلني من أحد الأصدقاء وصية كتبتها جدّته التترية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي خلال فترة الحكم الشيوعي، الوصية موجهة لأولادها وأحفادها، وقد خطتها الجدة باللغة التترية القازانية ذات الأبجدية العربية، والتي قامت السلطات الشيوعية بتبديل حروفها في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي إلى الحروف الكيريلية، وجرّمت كل من يكتب بها.
غيلميكمال كاشابوفا بشاروفنا (1905- 1983م)، ولدت وتعلمت في مدرسة شرعية في بشكيريا، وخلال الحرب العالمية الثانية توفي زوجها، ثم انتقلت للعيش مع زوجها في ألمآتا بكازاخستان، وأخذت غيلميكمال (ويعني إسمها بالعربية: كاملة العلم) على عاتقها تربية وإعالة أولادها السبعة في ظروف صعبة جدا.
وخلال الحديث مع صديقي مراد - أحد أحفادها- ذكر أنه رغم ظروف الحكم الشيوعي القاسية كانت الجدة تحافظ على الصلاة والصيام سرّا مع أولادها، وعن هذه الوصية قالت العمة راغبة إحدى بناتها بأن هذه الوصية ظلت منسية لفترة طويلة، ثم وجدتها بين أوراقها القديمة، وقرأتها على أولادها وترّحمت وتصدّقت عن روح والدتها.
يتبين من هذه الوصية أن الجدة كانت متعلمة وتعرف أمور الإسلام، وكانت قلقة على إيمان أبناءها وأحفادها.
وقد قمتُ بترجمة أغلب نص الوصية، وهي:
"بسم الله الرحمن الرحيم
عندما أموت لا تبكوا عليّ، وفي ليلة الجمعة تعود إليّ روحي بالأمل منتظرة الدعاء منكم، كذلك تصدقوا في سبيل الله، وإذا لم يك لديكم شيء تصدقوا ولو بقطعة خبز لكلب ما، أو حتى قشرة بطيخ لوجه الله تعالى، وتعظيما لنبيه محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم.. حاولوا أن تتصدقوا بأي شيء.
امسحوا على رأس اليتيم.. واحترموا كباركم وقدروهم، واعطفوا على من هو أصغر منكم.
حاولوا دائما أن تقضوا حياتكم في تسبيح وذكر الله، لا تكثروا من الكلام، لا تغتابوا أحدا، ولا تجلسوا في مجالس الغيبة، واسمعوا للناس إذا حدثوكم بكلام طيب، وابتعدوا عن مجالس النميمة..
ابدؤوا عملكم دائما بالتوكل على الله تعالى، لاتكونوا سببا لمعاناتي في قبري.
واسعوا دائما لنيل رضوان الله، ولتلهج ألسنتكم دائما بالذكر والتسبيح، وإذا داومتم على ذلك فلن تجدوا أنفسكم في موقف مخزٍ أبداَ.
وتذكروا قول الله تعالى: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (يونس، 62).
وهذه الآية تعني: من كان له قلب سليم مؤمن بالله عز وجل يعبده ويطيعه، فلا خوف عليهم ولا حزن في الدنيا ولا في الآخرة.
اعبدوا الله بإخلاص، توكلوا على الله فقط في كل أموركم، لا تسمحوا لأنفسكم بالتفكير في الإعتماد على غير الله.
لا تسلموا جسدي للتشريح بعد وفاتي.
احرصوا على التواصل والعيش مع عائلاتكم وتشاوروا معهم.
لاتتركوا الصلاة، وحافظوا على الصيام، احرصوا على هاتين العبادتين.
لاتنسوا أنكم ستدخلون قبرا مظلما وستسألون، لاتنخدعوا بهذه الدنيا بأي حال من الأحوال، فإن هذه الدنيا فانية أما الآخرة فهي أبدية".
تعود أهمية هذه الوصية إلى أنها تبين مدى تمسك عدد من مسلمي الإتحاد السوفييتي ومحافظتهم على دينهم ولغتهم وعاداتهم رغم الرقابة والظروف القاسية التي تعرضوا لها، كما تبين أهمية التربية الصالحة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022