هل تعود دولة "كييف روس" من بوابة أوكرانيا؟

نسخة للطباعة2022.02.09
د. أحمد بن حسن الشهري

عند الحديث عن الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية فلا بد من استرجاع شيء من الماضي وتحديداً بعد توحيد الألمانيتين عام 1990م والتي كان من شروط الروس حينها عدم تقدم الغرب باتجاه الشرق وتعهد الغرب شفهياً بعدم التقدم شرقاً والبقاء على مسافة 800 ميل من أقرب نقطة روسية.

لكن هذا التعهد لم يدم طويلاً حيث سعت عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل جورجيا وأوكرانيا لإقامة علاقات وطيدة مع الغرب لم تلبث أن تحولت إلى رغبة في الانضمام لحلف شمال الأطلسي وهذا ما دعا روسيا لغزو جورجيا عام 2008 لمنع مثل هذا الإنضمام المقلق للأمن الروسي، ثم ظهور بعض الحركات الانفصالية داخل بعض الدول وحصولها على الدعم الروسي كما في إقليم دونباس.

هذا شجع روسيا على دعم هذه الحركات وخاصة أنها من أصول روسية ليتم على أثر ذلك استقلال أبخازيا وأوستين وهما إقليمان داخل جورجيا و أصبحتا دولتان لا يعترف بهما إلا روسيا وبعض الدول مثل فنزويلا ونيكاراغوا ثم شجع هذا المد روسيا لقضم شبه جزيرة القرم التي تؤكد أوكرانيا أنها جزء من أراضيها.

وهكذا تنظر روسيا بعين الحذر والريبة لمعظم دول الجوار المستقلة مثل أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وبيلاروسيا وإستونيا وغيرها من الدول التي تخشى عليها من التمدد الغربي الذي يهدد أمنها القومي كقوة عظمى في صراع تاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب على النفوذ والهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمر الذي يجعل العلاقات الدولية لهاتين القوتين العظميين دائماً تتأثر بالمتغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية ويزداد معها التعقيد عندما تأخذ الطابع العسكري.

في الأزمة الأوكرانية نجد أن هذه الدولة المستقلة عن الإتحاد السوفيتي عام 1990م والتي تربطها علاقات اجتماعية ولغوية مع روسيا بدأت في التوجه للغرب وهذا ما جعل الروس ينظرون بعين الخطر لهذا التوجه، فروسيا تعتبر أوكرانيا خط احمر لأمنها القومي وعبر حدود برية تزيد عن 2000 كم والروس يعتبرون أوكرانيا روسيا الصغرى وقد كتب الرئيس بوتين مقالاً ذكر فيه أن قيام حكومة معادية لروسيا في أوكرانيا هو بمثابة إستخدام سلاح دمار شامل ضد روسيا وذكر أيضا أن أوكرانيا وروسيا كانتا بلداً واحداً يسمى دولة كييف روس التي قامت في القرن التاسع الميلادي و إنبثقت منها دولة روسيا الحالية وأوكرانيا وبيلاروسيا.

هذه الرؤية الروسية لأوكرانيا تحولت إلى ثورة شعبية عام 2004 سميت الثورة البرتقالية ضد روسيا ولم تحقق شيء.

ثم عادت الثورة مرة أخرى عام 2012 اضطر على اثرها الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يافوكوفيتش إلى الفرار لروسيا ومجيء الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي بدأ مرحلته الأولى بعلاقات إستراتيجية مع روسيا ولم تطول هذه العلاقة حيث توجه للغرب لإقامة علاقات اقتصادية وعسكرية إنتهت بطلب الإنضمام لحلف الناتو المعادي لروسيا.

وهذا ما جعل روسيا تعتبر هذا التوجه إعلان حرب على روسيا ومهدداً لأمنها القومي لتصبح كوبا 1962م. حيث ستصبح القوات الأطلسية على بعد 90 ميل من حدود روسيا وهذا ما جعل الرئيس بوتين يأمر القوات العسكرية بتوجيه ما يصل إلى 130 ألف جندي إلى الحدود الأوكرانية ليصفها بعض المراقبين بأنها أكبر حشود منذ نهاية الحرب الباردة حيث تم نشر الصواريخ الدفاعية S400 وأنظمة صواريخ إسكندر وأعداد هائلة من الدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ وتمركز عدد من هذه القواعد في جمهورية بيلاروسيا الحليفة لموسكو. 

في المقابل نشرت الولايات المتحدة الامريكية 3000 جندي أمريكي وتأهب 8500 جندي في قواعدها العسكرية في أوروبا البالغ عددها 50 قاعدة في بلغاريا و5500 جندي في بولندا، كما أن الناتو يمتلك 4000 جندي في استونيا ولتوانيا وتوجيه أعداد من القطع بحرية باتجاه البحر الأسود قرب بلغاريا ورومانيا.

أمام هذا المشهد المرعب، من الذي سيطلق شرارة الحرب؟

هل سيغامر أحد المقامرين ليكرر حادثة سراييفو، التي جرّت العالم لحرب عالمية قتلت أكثر من 50 مليون إنسان؟

بدأت بعض الدوائر الغربية تشير إلى أن روسيا تعمل على فبركة مشاهد لهجوم أوكراني على روسيا ليعطي المبرر لروسيا لإعلان الحرب على أوكرانيا!، بينما تنفي روسيا هذا الادعاء!.

إذا فما هي الخيارات المطروحة على الساحة الآن لإيقاف شرارة الحرب؟

أولا: لابد أن نعرف مطالب روسيا من الغرب لإنهاء الأزمة والمتمثلة في ثلاثة مطالب:

1- أن يتعهد الناتو كتابة بعدم ضم أي دولة من دول الإتحاد السوفيتي السابق لحلف شمال الأطلسي الناتو.

2- أن يتوقف الغرب عن نشر الأسلحة الإستراتيجية في الدول المجاورة والمحاذية لروسيا من ألمانيا حتى حدود روسيا.

3- أن يتوقف الحلف عن المناورات والتدريبات المختلطة التي يجريها على حدود روسيا والدول المجاورة لها.

وقد قوبلت هذه المطالب بالرفض من قبل الغرب الذي قال: يمكن إعطاء حزم من المحفزات والوعود التي تضمن الأمن لروسيا وهذا ما رفضه الكرملن في الوقت الذي تزداد الدعوات للعودة لاتفاق منسك 2 الذي تم الاتفاق على تراجع الجيشين الروسي والأوكراني ووضع منطقة عازلة بمسافة 50 كم وتبادل الأسرى وسحب الأسلحة الثقيلة وهذا ما يعتقد أن الأوضاع الحالية قد تجاوزته بكثير وأن المطالب الروسية قد تجاوزت الهدنة وسحب الجيوش وتبادل الأسرى إلى ما هو اكبر!

ثانيا: ما هو الطموح الروسي؟

الطموح الروسي هو إبتلاع أوكرانيا أو إيجاد حكومة موالية لروسيا وإسقاط حكومة زلينسكي التي تقود حملة لملاحقة الإعلام الموالي لروسيا وحملة لإعادة أوكرانيا للحلف وحملة لتحرير شبه جزيرة القرم والتسلح بطريقة توحي بأنها تخطط لحرب قادمة.

تحت هذه المبررات سيبقى الموقف الروسي متصلباً ما لم يتم إجراء تغيير في الموقف الأوربي والأمريكي خاصة الذي يلعب دوراً مضاداً لروسيا يتبناه الديمقراطيون نكاية في تقارب ترامب الذي يعتقد الديمقراطيون أن الروس ساعدوا ترامب للوصول إلى السلطة لذا يرى بايدن أهمية دعم أوكرانيا ودعمها بالسلاح مما يجعل المشهد أكثر قتامة وغموضا.

أخيراَ..، الرئيس الفرنسي ماكرون يقود مساعٍ جديدة بزيارة روسيا وأوكرانيا وربما ينجح في عقد مينسك 3 للتهدئة وتخفيف الضغوط العسكرية باتجاه الحرب.

في اعتقادي أن ما يحدث الآن ليس أكثر من عروض عسكرية واستعراض قوة لن يصل إلى حرب شاملة لأن اقتصادات الغرب وروسيا لن تتحمل تبعات الحرب وتكاليفها الباهظة وما ينتج عنها من نزوح ولاجئين لن تتمكن الأمم المتحدة من توفير متطلباتهم نتيجة ما حدث من انهيارات اقتصادية بسبب جائحة كورونا، وستكتفي روسيا والغرب بما تحقق من مكاسب تفاوضية ستبقي هذا الملف على صفيح ساخن الى حين.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

إيلاف

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022