الفضاء الروسي العام يتسم بقدر من الهستيريا عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الغرب، وبالتوتر مع اشتداد الأزمة معه.
هل ستختار روسيا الهجوم العسكري الكاسح، أم الضربات الموجهة، أم التوغل الخاطف لتقليل القدرات الأوكرانية، أم دعم هجوم كبير من قبل انفصاليي دونباس، أم أنها ستكتفي بالتصعيد الدبلوماسي والتلاعب الإلكتروني؟
لا أحد يعرف بالضبط الثمن الذي يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يدفعه لتحقيق أهدافه، ولا التسويات التي سيقبلها، لأن الغموض هو من أدوات موسكو في المفاوضات.
ولأن كل شيء في يد رجل واحد، فإن كل الاحتمالات واردة خاصة أن بوتين حذر من أن الفشل المحتمل للمفاوضات قد يدفع روسيا للإقدام على "رد عسكري تقني، تم تحديده بعد التشاور مع خبراء عسكريين".
تسوية نهائية
أما اليقين الوحيد، فهو أن الوضع الراهن ليس خيارا مقبولا بالنسبة لروسيا، ولذلك قال الجانب الروسي هذه المرة بوضوح تام إنه يريد إجابات محددة لمطالب محددة، خلافا لاستعراض القوة السابق في ربيع 2021، عندما لم تكن روسيا تسعى لغير إعادة تأكيد مكانتها في مواجهة واشنطن.
تعتقد موسكو أن الوقت ليس في صالحها، لأن بوتين يريد التسوية "النهائية" لقضية يرى أنها ضرورية للإرث الذي سيتركه فيما يتعلق بأوكرانيا، وهو يعتقد أن تكلفة التقاعس أعلى من التصعيد.
روب لي - المحلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية بروسيا:
لدى الكرملين كل الأسباب للاعتقاد بأن "أوكرانيا ستظل معادية مع مرور الوقت ومع زيادة قوتها العسكرية، لذلك فإن التصعيد العسكري سيكون أكثر تكلفة في المستقبل مما هو عليه الآن".
روسيا ستستفيد من اتخاذ المبادرة بشروطها الخاصة بدلا من السماح بتكرار 22 يونيو 1941 جديد، عندما فاجأ الهجوم النازي الاتحاد السوفياتي، والهدف هو الحد من انتشار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة أن روسيا اليوم أقوى وأكثر استعدادا للقتال من الاتحاد السوفياتي وقتئذ.
انتشار في بيلاروسيا
ومع أن العواصم الغربية تستخدم منذ عدة أسابيع مصطلح "غزو أوكرانيا"، فإن احتمالات التدخل الروسي أكثر تنوعا، إلا أن تكلفة مثل هذا العمل، من حيث العزلة والعقوبات الجديدة وضرورات الاحتفاظ بمناطق شاسعة قد يحتلها الجيش في مواجهة جيش أوكراني حديث إلى حد كبير وسكان معادين، قد تكون عاملا آخر يجب على بوتين وضعه في الاعتبار، كما أنه سيكون من الصعب أيضا تحمل مسؤولية ما ستتركه صور المدن الأوكرانية التي تعرضت للقصف.
ولئن كان المراقبون الروس ينفون سيناريو الغزو الكبير، فإن الدبلوماسي والمعلق السابق فلاديمير فرولوف يلاحظ رغم ذلك أن "المفاوضات الدبلوماسية كانت تهدف منذ البداية إلى الفشل، ولذلك تم توجيه الوسائل العسكرية بوضوح نحو كييف".
هناك سيناريوهات عسكرية أخرى أقل طموحا، مثل الضربات الموجهة أو التوغل الخاطف من أجل تقليل القدرات الأوكرانية أو دعم هجوم كبير من قبل انفصاليي دونباس.
أما في المجال السيبراني، فيعد الهجوم الأخير على المواقع المؤسسية في كييف بمثابة تحذير، غير أنه يبقى أن نعرف مدى تأثير هذه الإجراءات المحدودة على التوجهات الإستراتيجية لأوكرانيا على المدى الطويل.
الرد الروسي يمكن أن يكون دبلوماسيا أيضا، حيث رفض وزير الخارجية سيرغي لافروف استبعاد الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من طرف واحد، وأشار إلى احتمال فتح قواعد عسكرية في دول الحلفاء في أميركا اللاتينية.
فيودور لوكيانوف - خبير مقرب من سلطة الكرملين:
الخطوة التالية للكرملين لن تكون حاسمة، بل هي "استعراض مكثف للقوة"، بهدف زيادة الضغط أثناء المفاوضات المستقبلية.
هناك إمكانية لنشر أسلحة نووية في مناطق جديدة، أو نشر واسع للقوات في بيلاروسيا تحت غطاء التدريبات المعلنة في فبراير المقبل.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
صحيفة "لوموند" الفرنسية - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022