لا شك في أن الأزمة الخطيرة بين روسيا وأوكرانيا، جعلت الأخيرة تضع روسيا في مواجهة تحالف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.
وبنظرة مجردة إلى تاريخ العالم الحديث، سنجده مليئا بأمثلة لا جدال فيها عن مدى الدمار ومدى المآسي اللذين أحدثتهما التدخلات الأمريكية والسوفييتية الروسية لشعوب البلدان المعنية.
يكفي مجرد النظر إلى ما حصل في أفغانستان، ويكفي أن نلحظ ما قاله الرئيس الروسي بوتين، إنه لن يسمح بـ"الثورات" في المنطقة، فمن الواضح أن أوكرانيا هي أحد الأسباب الرئيسية في توتره مع الغرب.
الصورة التي قدمتها الأزمة الأوكرانية وجوانبها المقلقة، تحمل خطوطا تربك العقول فمن جهة، هناك سلسلة من الأحداث التي تصعّد التوتر: اتهامات متبادلة وتهديدات واستعراض للقوة مثل، التعبئة العسكرية والتدريبات.
وخير مثال على هذه الأنشطة هو إرسال روسيا لقوات عسكرية كبيرة إلى الحدود الشرقية لأوكرانيا. وإرسال الولايات المتحدة السفن الحربية إلى منطقة البحر الأسود، كما أرسلت وزارة الدفاع البريطانية أنظمة صواريخ مضادة للدبابات إلى أوكرانيا.
هذا يعطي انطباعا لأبعاد خطيرة، ومن ناحية أخرى، هناك صورة مغايرة في اللوحة نفسها لبعض الجهود من أجل تهدئة هذا التوتر، حيث تجري بعض الاتصالات والمشاورات على ساحة المنصة الدولية.
في غضون ذلك، تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عبر الهاتف مع الرئيس الروسي بوتين خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهذا على عكس التهديدات المتبادلة بين الطرفين، التي استخدمت فيها لغة قاسية.
والجدير بالذكر أنه صدرت دعوات لخفض التوتر بين الجانبين، وما يتم تداوله أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن سيتوجه إلى ألمانيا ومنها إلى أوكرانيا للقاء وزير الخارجية الروسي لافروف في جنيف يوم الجمعة المقبل.
في مواجهة هذه الصورة المختلطة، يتساءل الجميع بفضول، إلى أين ستؤدي أزمة أوكرانيا، وأي نوع من الحرب ستكون؟.
وهنا تختلف الإجابات عن هذا السؤال. بالنسبة للبعض، ستؤدي هذه الأزمة إلى حرب!. وإن كان ذلك، فأي نوع من الحرب؟ محلية أم إقليمية أم عالمية؟.
لا يعتقد الكثير من الناس أن حربا عالمية ستندلع بسبب أوكرانيا، لكن هناك الكثير ممن يعتقدون أن هذه قد تكون حربا محدودة محلية أو إقليمية.
بمعنى آخر، ووفقا لوجهة النظر هذه، يمكن أن يؤدي هذا التوتر في أوكرانيا إلى "حرب محدودة". على سبيل المثال، قد تنتقل روسيا من المنطقة الحدودية لأوكرانيا، حيث حشدت أعدادا كبيرة من القوات العسكرية، من أجل "غزو" والاستيلاء على جزء من البلاد أو حتى "ضم" تلك المنطقة إلى أراضيها، كما فعلت في شبه جزيرة القرم في عام 2014.
في هذه الحالة، يبرز السؤال هنا، ألا يتدخل الناتو أو الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة؟.
مما لا شك فيه أن ردة فعل الغرب ستكون قاسية بشكل عام، لكن إلى أولئك الذين يؤيدون هذا الرأي وهم يرون أن الولايات المتحدة أو الناتو، لا يمكن أن يخاطرا بحرب مع روسيا، وبالتالي لن ترغبا في المشاركة بنشاط في مثل هذا الصراع.
أليس هذا يعني أن الصراع الساخن الذي قد ينشأ بين روسيا وأوكرانيا في المنطقة "الحدودية" سيبقى "محدودا"؟.
ينوي بوتين استدراج الولايات المتحدة وأوروبا إلى "صفقة كبيرة" بشأن أزمة أوكرانيا، لا يوجد أحد لا يعرف أن المنافسة الرئيسية للولايات المتحدة على المدى المتوسط والطويل هي مع الصين.
وبوتين يريد تنازلات من الغرب لتحويل هذا الوضع إلى فرصة استراتيجية على المدى المتوسط لصالح روسيا، التي تلعب دورا فعالاً في مناطق الأزمات مثل سوريا وليبيا، وتطالب حلف الناتو بالتراجع من أجل تعزيز نفوذه وسيطرته على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية. وهذا بالطبع سيزيد التوتر.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في وضع لا يحسدان عليه في حالة تم الغزو الروسي لأوكرانيا، فهم لا يجرؤون على اختيار خيار آخر غير العقوبات الاقتصادية.
بوتين بائع وشار محترف في هذا الوضع. والانسحاب من أوروبا الشرقية يعني أن أوروبا تأثرت بقوة النفوذ الروسي، وطبعاً ستملأ روسيا هذا المكان، وسنرى في الأسابيع والأشهر المقبلة ما إذا كان من الممكن إيجاد "طريق ثالث بين الحرب والتهدئة".
باختصار، تمر منطقة البحر الأسود بأيام صعبة، من المحتمل جدا أن يتحول هذا إلى صراع ساخن، ودول العالم تتابع عن كثب التطورات في المنطقة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
القدس العربي
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022