واشنطن وموسكو وبكين.. لعبة شد الأطراف قائمة

نسخة للطباعة2022.01.13
د. طارق فهمي

تضح السلوك الروسي والأوروبي بصورة كبيرة في إطار فرض الحقائق على الأرض، ثم الدخول في حوارات استراتيجية وسياسية.

يأتي هذا بين إعلان النيّات الروسية والأوروبية الأمريكية حول ضرورة تخفيض التوتر، وإقرار الدول الكبرى في مجلس الأمن تقليص المخاطر الاستراتيجية في العالم، وكبح جماح التسلح، ومواصلة البحث عن نهج دبلوماسي ثنائي ومتعدد الأطراف لتجنب المواجهات العسكرية وزيادة الثقة والتفاهم المتبادلين، وبين إقدام كل دولة من الدول الكبرى على تبني إجراءات انفرادية بتأمين مصالحها في مواجهة الآخرين.

الرسالة شكليا هي أن استمرار الحوار هو المطروح كأساس للحل السياسي والاستراتيجي، رغم غياب إرادة الحل في المسألة الأوكرانية، واستمرار الضغط الروسي في ضرورة الحصول على ضمانات مكتوبة لعدم دخول أوكرانيا حلف ناتو، وهو أمر سيواجَه بصعوبات متعددة:

أولها، أن روسيا لن تتخلى عن مطالبها الأمنية والاستراتيجية، وقد رتبت لذلك خطواتها الاستراتيجية وعزمت على منع تقدم أوكرانيا لتحصل على موقعها في دائرة الأمن الأوروبي، ومنع أي طرف أوروبي من الإقدام على دعم هذه الخطوة، في ظل تباينات كبرى بين دول حلف الناتو.

ثانيها، أن الدفع بتحقيق تهدئة في ملف أوكرانيا وخفض التوتر من الجانب الروسي، يجب أن تقابله إجراءات أخرى من الجانب الأوروبي والأمريكي، وبالتالي فإن منظمة الأمن الأوروبي مطالبة بحسم الموقف، وليس فقط إدارته من فوق.

ثالثها، أن الولايات المتحدة -رغم دعمها للجانب الأوكراني- لن تُقدِم على الدخول في مواجهة بشأنها، فقد تُصعِّد ولكن من خلال إجراءات جماعية على المستوى الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما سيكون عنوانا للمرحلة المقبلة، وليس من خلال جهد أمريكي تم طرحه جيدا.

ليس منتظرا في الاجتماعات الجارية أن تقدم واشنطن مقاربة حقيقية للحل، في ظل ترقب أمني لافت من روسيا والصين، حيث تؤكد روسيا أن الغرب هو الذي "يستفزها" من خلال نشر قوات عسكرية عند حدودها، أو من خلال "تسليح الجيش الأوكراني الذي يحارب انفصاليين مؤيدين لروسيا في دونباس، شرق أوكرانيا".

رابعها، تدخل دول مثل ألمانيا على الخط في إطار البحث عن دور، وهو ما برز في لقاء وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ونظيرها الأمريكي، أنتوني بلينكن، في إشارة إلى أن ألمانيا في النطاق الأوروبي تسعى لتحريك المشهد والتوصل إلى حل، في إطار التركيز على استيعاب ما يجري، ووقف أي تدهور ربما يكون مدعاة للتصعيد أوروبيا، خاصة أن دول حلف ناتو مدركة بأن الإدارة الأمريكية لن تكون في مقدمة ما يجري إذا قرر الجانب الروسي الدخول في مواجهة والقيام بعمل عسكري ضد أوكرانيا.

الرسالة هنا تتركز في أن كل طرف يسعى للتوصل إلى أهدافه القصوى في مواجهة ما يجري من طرح رؤى، أو أهداف أخرى لدى الأطراف الأخرى، خاصة أن الخطاب الدعائي بين الأطراف المختلفة ما زال قائما، بصرف النظر عما يطرح من توافقات في سياقها السياسي، بدليل أن التصعيد يجري أيضا بين الولايات المتحدة وبين الصين حول تايوان، ولكنه ملف مؤجل.

الصراع الجاري في هذه المنطقة الاستراتيجية لا يقتصر على أوكرانيا، بل يتمدد لأزمات أخرى، ومنها تايوان وإيران، الأمر الذي يفرض على الإدارة الأمريكية مراقبة ومتابعة ما يجري انطلاقا من تعدد مسارح المخاطر والتحديات، التي تواجه الاستراتيجية الأمريكية.

ستستمر التحديات الصينية ماثلة أمام أوروبا، كما ستستمر روسيا في عسكرة أزمة أوكرانيا، وكل ما سيُطرح بالفعل هو إدارة أفضل لكل المشكلات الراهنة لتجنب انتشارها، وليس فقط التوصل إلى حلول نهائية.

كما ستبقى استراتيجية فرض العقوبات الأمريكية على روسيا ماثلة ومطروحة، وتعليق استخدام البنوك الروسية نظام تسوية المدفوعات، وتجفيف الاستثمارات الغربية سيبقى حلا مطروحا، وكذلك عدم السماح بتشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا، وغير ذلك من الإجراءات المحتملة.

وستبقى إيران وتايوان، إضافة إلى أوكرانيا، ساحة للنزال الدبلوماسي بين روسيا والصين من جانب، وأوروبا والولايات المتحدة من جانب آخر، في إطار السعي لعدم الصدام النهائي، والعمل على التوصل إلى خيارات تهدئة ولو بصورة مؤقتة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

العين الإخبارية

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022