الحرب الأوكرانية وسقوط النظام العالمي

نسخة للطباعة2022.01.11
عامر زياد جلول - كاتب وناشط سياسي لبناني

يتساءل أحدهم: ماذا يعني إن أقدمت روسيا على اجتياح أوكرانيا وضمّها كما فعلت بشبه جزيرة القرم سنة 2014؟.

طبعا لا يمكن مقارنة ضم شبه جزيرة القرم التي هي جزء من أوكرانيا بضم أوكرانيا كلها لجوانب عدة، أبرزها الجانب الجيوسياسي على المستويين الإقليمي والعالمي، وبمعنى آخر إن مثل هذه الخطوة تمثل نعيًا للنظام العالمي القائم منذ 1990، أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانهيار القطبية الثنائية آنذاك.

أما السؤال الثاني فهو: هل تجرؤ روسيا على مثل هذه الخطوة؟ وإن فعلت فما نتائجها؟ دعونا نتطرق قبل الدخول في سيناريو الحرب ونتائجها إلى أسباب أهمية أوكرانيا لطرفي النزاع.

أهمية أوكرانيا

تتمتع أوكرانيا بأهمية إستراتيجية لكلا الطرفين، فهي حديقة روسيا الخلفية وأرضها سهلة فيها كثير من الثروات الزراعية، وهذا ما جعل هتلر يحتل أوكرانيا رغم عدم أهميتها العسكرية لحملة بربروسا.

كما أنها تمثل هاجسا للدب الروسي بسبب سهولة أراضيها، فإن بولندا سابقًا كانت ممرا لقوات نابليون وهتلر للعبور إلى روسيا والوصول إلى موسكو، فكان الروس يتمنّون لو كانت هناك جبالٌ شاهقة تفصل بين روسيا وأوروبا الغربية خشية الاجتياح العسكري.

أما على الصعيد السياسي، فلا يمكن أن تقبل روسيا بالتحاق أوكرانيا بالناتو وهي تملك نسبة عالية من المواطنين الذين يتكلمون الروسية حتى بلغت الأمور درجة التشكيك بالهوية الأوكرانية، فإن الغرب أنشأ حلف الشمال الأطلسي لأسباب ثلاثة، أحدها سياسة احتواء روسيا التي بدأ تنفيذها الرئيس أيزنهاور.

وفي سنة 2004 التحقت دول البلطيق بحلف الأطلسي فأغضب ذلك روسيا ولكن السويد عندما فكرت بالدخول هددتها باستخدام النووي، فمع دخول أوكرانيا تكون الدول الغربية أحكمت الطوق نوعًا ما حول الدب الروسي وأصبحت في حديقته الخلفية وعلى مقربة من عمقه الإستراتيجي.

وعلى الصعيد الاقتصادي استطاعت روسيا أن تتخلص من عقدة الأراضي الأوكرانية لأنها كانت ممر عبور الغاز الروسي إلى أوروبا، الذي يمثل 40% من احتياجات أوروبا من الغاز، وذلك عبر مشروع "نورد ستريم 2".

أما موقف الدول الأوروبية، فقد حذر الرئيس الأميركي من استخدام بوتين ذلك السلاح وهو إيقاف مدّ أوروبا بالغاز وقد استخدمه فعليًّا مما شكل أزمة حقيقية للمدن الأوروبية اضطرتهم إلى الاستعانة بالغاز الأميركي المسال، ومن هذا المنطلق فإن أوكرانيا تسعى للضغط على الناتو كي يعرقل مشروع "نورد ستريم 2" لتبقى أراضيها تتمتع بالأهمية الإستراتيجية لدى الدول الأوروبية وتحافظ على ورقة الضغط تلك.

وبالعودة إلى السؤال عن مدى جرأة روسيا على هذه الخطوة ونتائجها وردة فعل الطرف الآخر، فإن الدب الروسي قادر عسكريا على حسم المعركة بسهولة، رغم المساعدات العسكرية واللوجستية التي تلقتها أوكرانيا أخيرًا.

ضمّ أوكرانيا لروسيا ليس مهما للغربي وللأميركي حتى يدخل في حرب قد تتحول إلى حرب عالمية ونووية مدمرة، ولكن من الناحية العملية والفلسفية فإن ضمّها من دون أي رد غربي فعلي يعني كسر الخطوط الحمراء في النظام العالمي.

مثل هذا التصرف العسكري الكبير لا يردّ عليه بالعقوبات الاقتصادية والسياسية التي لم تنفع سابقًا، وعدم الرد سوف يفتح شهية الرئيس الروسي بوتين لضم دول البلطيق وسوف يفتح شهية الصين لضم جزيرة تايوان، وهذا يعني انتهاء النظام العالمي رسميًّا وانتهاء عصر الهيمنة الأميركية الأحادية.

ومثل هذه الخطوة سوف تكون لها نتائج ليست محصورة في أوروبا فحسب، إنما ستمتد على كل النظام العالمي الذي سوف يتأثر طبعًا بسبب قرية العالم الصغيرة والمتداخلة، والارتدادات سوف تكون في كل مناطق الوجود الروسي والصيني، إما سياسيًّا وإما عسكريًّا، مثل الوضع في ليبيا وسوريا وغيرهما.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022