أوكرانيا وروسيا.. أزمات متعددة

نسخة للطباعة2021.12.29
د. فايز رشيد

تشهد أوكرانيا ومحيطها توتراً مستمراً مع جارتها روسيا منذ 8 سنوات، قُرعت خلالها مراراً طبول الحرب بين البلدين تارة، وبين روسيا ومعسكر الغرب الداعم لكييف تارة أخرى. 

ورغم أن الكثيرين ينقسمون بين من يعتبر أن الحرب آتية لا بد منها، ولو بعد حين، وبين من يستبعدها كخيار ضروري، أو مطروح أصلاً بين أطراف النزاع. 

وفي العادة يدور الحديث عن الحرب عند كل تصعيد بين البلدين. ومما لا شك فيه أن إمكانية اندلاع شرارة الحرب تعاظمت مؤخراً، بحكم كثرة الأزمات والتوترات الرئيسية والفرعية بين الجارتين بعدما سيطرت روسيا على منطقة القرم وضمتها إليها في مارس 2014، وتأكيد كييف أنها ستستعيد شبه الجزيرة بكل الوسائل المتاحة. 

وترتبط بالقرم أزمات كثيرة أخرى، منها:

عدم اعتراف معظم دول العالم بروسيّة القرم، وفرض عقوبات واسعة على موسكو بسبب سيطرتها على المنطقة، كما اعتبرتها انتهاكاً لسيادة وسلامة أراضي أوكرانيا، وعسكرة المنطقة، بما يهدد أمن أوكرانيا ودول الجوار الأوروبي. 

أيضاً من العوامل المياه، حيث تتهم موسكو كييف بقطع شريان المياه العذبة عن القرم (قناة الشمال التي تلبي نحو 85% من حاجة سكانها)، ما أدى إلى أزمات عدة في شبه الجزيرة، إضافة إلى حرب الدونباس. 

ففي أوكرانيا حرب مشتعلة أصلاً منذ سنة 2014 في إقليم «دونباس»، بين قواتها والانفصاليين الموالين لروسيا، وهذه الحرب قد تكون شرارة لنزاع أوسع في المستقبل. 

كذلك تتواجد قوات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية. 

ومن العوامل الأخرى التي قد تلعب دوراً في سيناريو الحرب، إصرار كييف على أن موسكو تدعم الانفصاليين بكل الوسائل، بخاصة العسكرية، وبالتالي هي ليست وسيطاً في التفاوض مثلما تقول. 

من جهتها، ترفض أوكرانيا تقديم أية تنازلات للانفصاليين، وتريد السيطرة على كامل حدودها مع روسيا وفقاً لـ«اتفاقيات مينسك».

بدورها تسعى كييف للاعتماد على طائرات مسيرة، وسط دعوات لتكرار سيناريو تحرير إقليم «كاراباخ» الأذربيجاني وهي تتعهد بحماية الرعايا الروس، التي كانت سبب دخول روسيا القرم ودعم الانفصاليين. 

بالطبع، منحت روسيا جنسيتها لسكان القرم، وهي تنتقد بشدة قانون «الشعوب الأصلية» في أوكرانيا الذي لم يشمل الرعايا الروس، واعتبرته «قانوناً عنصرياً». 

بدورها، ترفع أوكرانيا شعار حماية الرعايا، رغم فارق وضعف القدرة على حمايتهم فعلاً، ولا سيما في صفوف المناوئين من أبنائها، كتتار القرم على سبيل المثال وليس الحصر. 

لذا، تحذر أوكرانيا من «نوايا روسيا التوسعية»، وتشاركها هذه التحذيرات والمخاوف دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، التي تخشى بدورها من سعي الرئيس بوتين لاستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي السابق، لا سيما وأنه يعتبر انهياره «أكبر مآسي القرن العشرين». 

ومؤخراً، كثر الحديث في روسيا عن حتمية قيام «روسيا الجديدة»، التي تشمل عدة مناطق أوكرانية ناطقة بالروسية: كدونيتسك ولوهانسك (التي يسيطر عليها الانفصاليون)، إضافة إلى سوشي وخاركيف وزابوريجا وخيرسون وأوديسا. 

من جانب آخر (وفقاً للنظرة الروسية) يسعى حلف الناتو لأن يكون الدونباس «حديقته الخلفية». ولعل أكثر ما يثير مخاوف الفيدرالية الروسية، أن أوكرانيا تنشد عضوية حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي ترفضه روسيا رفضاً مطلقاً، وتعتبره «خطا أحمر» لا يجوز تجاوزه. 

وأهداف أمريكا، إضافة إلى «دعم وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا» في مواجهة موسكو، إحاطة روسيا في خاصرتها، وثنيها عن التحالف مع الصين وعرقلة التقارب الروسي الأوروبي، ونقل الغاز الروسي إلى أوروبا، إضافة إلى استنزاف قواها في الحرب التي قد تدخلها ضد أوكرانيا، التي حصلت فعلاً على صواريخ «جافلين» الأمريكية المضادة، كما اشترت من تركيا طائرات «بيرقدار» المسيّرة، والتي تعتبرها روسيا تهديداً لأمنها. 

ويعتبر الخبراء أن شرارة الحرب تتمثل في حشد روسيا عشرات الآلاف من الجنود على حدود أوكرانيا من ثلاث جبهات: من جهة القرم والبحر الأسود جنوباً، ومن جهة الدونباس شرقا، وكذلك من جهة الشمال البيلاروسي. 

لا روسيا ولا أوكرانيا تريدان الدخول في حرب فعلية، نظراً لمتانة العلاقة بينهما منذ زمن الاتحاد السوفيتي، وما بعد تفككه، كما أن رعايا كثيرين من كل دولة منهما يعيشون في الدولة الأخرى.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة "الخليج"

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022