أثناء عشاء استضافه السفير الأمريكي في موسكو منذ بضع سنوات، طرح سفير واشنطن الأسبق في أوكرانيا ستيفن بايفر سؤالاً على مسؤول بارز سابق في السياسة الخارجية عن فهم أي واحد في الكرملين أوكرانيا. أجاب المسؤول أن هناك شخصاً واحداً يفهم البلاد جيداً، لكنه أضاف أن "لا أحد يصغي إليه".
سوء الفهم يؤدي إلى سياسة سيئة، والكرملين يبدو مستعداً لارتكاب خطأ آخر في سلسلة الأخطاء التي ارتكبها في مقاربته لأوكرانيا
في مقاله بصحيفة "موسكو تايمز"، يرى بايفر أن الفشل الذريع للسياسة الروسية تجاه أوكرانيا في الأعوام السبعة الماضية يعني أن الكرملين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يملكان فهماً خاطئاً للبلاد. في 17 ديسمبر (كانون الأول)، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "هل خسرنا أوكرانيا شريكاً، أو حليفاً وما إلى ذلك؟ في هذه المرحلة، نعم، بشكل كامل".
كلمة بوتين
يفترض الكاتب أن القيادة الروسية لم تنوِ ذلك، ومن هنا سؤاله هل أن الكرملين وبوتين يفهمان أوكرانيا. وتنفي مؤشرات عدة هذا الأمر.
كانت آخر زيارة من بوتين إلى كييف في 2013 حين سافر للاحتفال بالذكرى الـ1025 لاعتناق اتحاد دول كييف روسيا المسيحية. وقال بوتين يومها: "نحن جميعنا ورثة روحيون لما حصل هنا منذ 1025 عاماً. وبهذا المعنى نحن، الأوكرانيون والروس، دون شك، شعب واحد".
رأى بايفر أن هذه الكلمة لم تراعِ الحساسيات في أوكرانيا. فملايين الأوكرانيين سمعوا في ذلك إنكاراً لثقافتهم وتاريخهم ولغتهم. منذ ذلك الحين، غالباً ما كرر بوتين هذه الفكرة.
لم يكن بالإمكان توقع أن يؤدي استخدام روسيا للقوة العسكرية في القرم بعد ثورة ميدان إلى كسب تعاطف الأوكرانيين. وكذلك الأمر بعد إثارة وإدامة النزاع في منطقة الدونباس والذي حصد أكثر من 13 ألف قتيل.
بعد فترة قصيرة من بداية النزاع الروسي الأوكراني في 2014، بدأ بوتين، وروس آخرون يتحدثون عن "نوفوروسيا"، الفكرة التي تقول إن معظم السكان في شرق وجنوب أوكرانيا سيثورون ضد كييف. سادت جاذبية نوفوروسيا في موسكو بعد فترة طويلة من تأكد غياب حماسة كبرى لدى الأوكرانيين للانفصال.
روسيا تختبر زيلينسكي
فاز فولوديمير زيلينسكي بالرئاسة الأوكرانية في 2019، عندما كان متبدئاً سياسياً يتحدث الروسية بأريحية ووعد بنهج مختلف عن نهج سلفه الذي احتقرته موسكو.
دعم زيلينسكي اتفاقيتي مينسك قاعدة لحل نزاع الدونباس ووافق على صيغة شتاينماير للمضي قدماً، وكانت خطوات محفوفة بالمخاطر بالنظر إلى الإحباط والغضب المتناميين في أوكرانيا بسبب فشل اتفاقيتي مينسك في جلب السلام للدونباس. فما الذي حصل عليه زيلينسكي؟
يجيب بايفر أن بوتين وافق على اجتماع في ديسمبر(كانون الأول) 2019 مع الرئيس الأوكراني، والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقرر بعده تبادل السجناء ووقف شامل لإطلاق النار في الدونباس، وتوافق على اجتماع مكمل في ربيع 2020، لكن لم ينفذ من البنود الثلاثة إلا بند تبادل السجناء.
نتيجة غير مفاجئة
أضاف الكاتب أنه عوض السعي إلى تسوية، بدا أن قادة الكرملين يبنون حساباتهم على إمكانية إجبار الوافد الجديد إلى الرئاسة الأوكرانية على تنازلات مذلة.
وتبنت موسكو بشكل متصاعد الموقف القائل إنها لم تكن طرفاً في النزاع، رغم توقيعها اتفاقية مينسك الثانية، كما سعت إلى إجبار كييف على التعامل مباشرة مع "الجمهوريتين الشعبيتين" لدونيتسك ولوغانسك.
ويرفض الكرملين اليوم بشدة أي طلب من زيلينسكي للاجتماع ببوتين. والنتيجة غير المفاجئة بحسب بايفر، هي أن موقف زيلينسكي تصلب تجاه موسكو.
وبعد أن كان الرئيس الجديد يفتقر لموقف حاسم من العلاقة بين أوكرانيا والناتو، بات اليوم يدعو علناً إلى عضوية مبكرة لأوكرانيا في الحلف. والأهم أن الحكومة الأوكرانية وقسماً كبيراً متزايداً من الشعب الأوكراني أصبحا مقتنعين بأنهما سيعثران على الأمن والاستقرار فقط، إذا ربطت أوكرانيا أمنها واستقرارها بمؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
لن يعيد أوكرانيا
يبدو الكرملين أنه ينوي مواصلة هذا المسار، ونشر بوتين مقالاً في يوليو (تموز) أنكر فيه حق أوكرانيا في الوجود دولة ذات سيادة حسب بايفر. وفي أكتوبر(تشرين الأول)، قال الرئيس الروسي السابق دميتري مدفيديف الحوار عن كييف إنه "بلا جدوى".
حشد الجيش الروسي عشرات آلاف الجنود، والدبابات، والمدافع، والعربات القتالية في مناطق إطلاق قريبة من أوكرانيا، ما يوحي بأن روسيا تعد لاعتداء عسكري كبير.
ويشير بايفر إلى أن ذلك لن يعيد أوكرانيا إلى روسيا بل سيولد المزيد من العقوبات على روسيا والمزيد من تدفق الأسلحة الغربية إلى كييف، وتعزيز الحضور العسكري الأطلسي قرب الحدود مع روسيا إضافة إلى قتلى من الجنود الروس.
لإعادة النظر
لا يشك الكاتب في أن الجيش الروسي أقوى، لكنه يضيف أن الجيش الأوكراني سيفرض ثمناً. علاوة على ذلك، تستعد كييف بجميع أحزابها للحرب، وأظهر استطلاع رأي في أوائل ديسمبر (كانون الأول) أن ثلث المستطلعين، من ضمنهم ربع الذين يعيشون في الجزء الشرقي من البلاد، سيحملون السلاح لو اجتاحت روسيا، أوكرانيا.
ودعا بايفر القيادة الروسية إلى إعادة النظر في المقدمات التي بنت عليها نهجها، فسوء الفهم يؤدي إلى سياسة سيئة، والكرملين يبدو مستعداً لارتكاب خطأ آخر في سلسلة الأخطاء التي ارتكبها في مقاربته لأوكرانيا، ووفق الكاتب، سيكون الخطأ المقبل مأساة لأوكرانيا... ولروسيا أيضاً.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
24:
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022