بينما تركز الدوائر الأمنية والسياسية الأميركية على التهديدات الناجمة عن استمرار الصعود الصيني في شقيه الاقتصادي والعسكري، وما يمثله ذلك من تهديدات واسعة على الريادة الأميركية؛ اتجهت أنظار الخبراء والمعلقين للخطر الروسي المتزايد على أوكرانيا الذي يتسبب مؤخرا في قضِّ مضاجع إدارة الرئيس جو بايدن.
وتشير تقديرات استخباراتية أميركية إلى حشد روسيا نحو 100 ألف جندي، والكثير من العتاد الحربي، على طول خط الحدود بين الدولتين، وهو ما يثير قلقا واسعا في أوكرانيا وتخوفا من غزو روسي وشيك.
في الوقت ذاته، تخوض أوكرانيا حربا منذ عام 2014، مع انفصاليين موالين لروسيا في جزئها الشرقي. وتُعتبر موسكو الداعم العسكري والمالي لهؤلاء الانفصاليين، رغم نفيها ذلك.
واندلع الصراع الذي أودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص، بعد وقت قصير من ضمِّ موسكو شبه جزيرة القرم في العام نفسه.
وفي هذه الأجواء، يلتقي الخميس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بنظيره الروسي سيرغي لافروف، في ستوكهولم، وسط تجدد التوتر العسكري في المنطقة الحدودية بين روسيا وأوكرانيا. ويشارك الوزيران في اجتماعات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
إرث الحرب الباردة
يقول دبلوماسي روسي يعمل في سفارة بلاده بواشنطن -للجزيرة نت- إن "المعضلة الحقيقية في علاقتنا بالولايات المتحدة محورها اعتقادهم أن الحرب الباردة انتهت بانتصارهم وهزيمتنا، وعليه يتبنون سلوك المنتصر ويتوقعون منا سلوك المنهزم".
وأضاف الدبلوماسي الذي اشترط عدم الإفصاح عن هويته، "نحن نرى أن الحرب الباردة انتهت دون إطلاق نار، ودون منتصر ولا مهزوم"، وهذا هو جوهر الخلافات بين موسكو وواشنطن في العديد من القضايا العالمية، وعلى رأسها مصير أوكرانيا.
وتشتكي روسيا من تطور العلاقات العسكرية بين حلف الناتو وأوكرانيا، في وقت حذر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الناتو من أن نشر أسلحة أو جنود في أوكرانيا يعني تجاوز "الخط الأحمر" بالنسبة لبلاده، معتبرا أن ذلك قد يؤدي إلى رد قوي، بما في ذلك نشر محتمل لصواريخ روسية.
وتعليقا على المخاوف الغربية بشأن نية روسيا غزو أوكرانيا، قال بوتين إن موسكو قلقة أيضا حيال مناورات الناتو بالقرب من حدودها. في حين يتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الناتو بتهديد السلام في المنطقة.
أما أوكرانيا، جارة روسيا التي تسعى وتضغط من أجل الانضمام لحلف شمال الأطلسي وسط تردد الأخير في قبولها مخافة استفزاز روسيا ودفعها للتحرك عسكريا ضد هذه الخطوة، فتشتكي من حشد موسكو لما يقرب من 100 ألف جندي استعدادا لغزو أراضيها.
ويطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقبول عضوية بلاده في حلف الناتو، والتي يعتبر الحصول عليها بمثابة تحصين للبلاد أمام أي أطماع إقليمية روسية فيها.
دعم أوكرانيا
وطالبت أوكرانيا -خلال مشاركتها في اجتماع مع دول حلف الناتو الأربعاء- بتقديم "حزمة ردع" ضد روسيا التي تشتبه "كييف" في تحضيرها لغزو محتمل لأراضيها.
وتدرس إدارة بايدن إرسال مستشارين عسكريين ومعدات جديدة -بما في ذلك أسلحة متطورة- إلى أوكرانيا، وتجري مناقشات حول حزمة المساعدات المقترحة، في الوقت الذي انطلقت فيه تحذيرات أوكرانية معلنة من أن الغزو الروسي قد يحدث في أقرب وقت ممكن، وقد يكون في يناير/كانون الثاني المقبل.
وذكرت مصادر عسكرية أن واشنطن قد تمد أوكرانيا بصواريخ جديدة مضادة للدبابات، وصواريخ مضادة للدروع من طراز "جافلين" وكذلك قذائف هاون.
كما يتم بحث إرسال أنظمة دفاع جوي من طراز "ستينغر"، ذات الفعالية الكبيرة ضد الدبابات الروسية المتقدمة. ويضغط البنتاغون من أجل إرسال بعض المعدات التي كانت ستذهب إلى أفغانستان -مثل مروحيات "إم 17" (M17)- إلى أوكرانيا.
إلا أن هناك بعض القلق داخل إدارة بايدن من مغبة اعتبار روسيا أن إرسال أسلحة متقدمة لأوكرانيا يمثل تصعيدا كبيرا من جانب إدارة بايدن، حيث يعتقد بعض مستشاريه أن أية مساعدة إضافية لأوكرانيا تخاطر بلا شك "بزيادة التوتر" مع موسكو.
الاستعداد للأسوأ
وفي الوقت الذي تشعر فيه واشنطن وحلف الناتو بالقلق بسبب تزايد التوتر الروسي الأوكراني، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن "الحلف يجب أن يستعد للأسوأ، مع تزايد القلق من أن روسيا قد تستعد لغزو أوكرانيا".
من ناحية أخرى وحسبما أفادت مصادر متعددة مطلعة لشبكة "سي إن إن" (CNN) الأميركية، يقوم المسؤولون الأميركيون بإعداد حلفائهم في حلف الناتو لاحتمال غزو روسي لأوكرانيا.
وحذرت الولايات المتحدة من "عواقب وخيمة" لأي عدوان. وفي الوقت ذاته، تنفي روسيا باستمرار وجود أي مسعى في هذا الاتجاه، وتتهم أوكرانيا وحلفاءها الغربيين بزيادة "الاستفزازات".
مناقشات العقوبات وتحركات الكونغرس
ومن ناحية أخرى، يجري مسؤولون أميركيون مناقشات مع الحلفاء الأوروبيين بشأن حزمة عقوبات جديدة قد تدخل حيز التنفيذ إذا غزت روسيا أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، أضاف المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون تعديلات مقترحة على قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2022، من شأنها أن تعالج "الاستفزازات" الروسية الأخيرة، لكنهم لم يوقعوا بعد على نسختها النهائية.
وجاء في تعديل اقترحه مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز، نص يشير لفرض عقوبات جديدة كبيرة من قبل الرئيس جو بايدن على كبار المسؤولين في الكرملين، بمن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حالة التصعيد العسكري الروسي ضد أوكرانيا.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022