صفوان جولاق - كييف
في خضم التوترات والتصعيد الراهن بين روسيا والغرب، تبرز أوكرانيا مجددا كساحة رئيسية لمواجهة محتملة، لاسيما وأن كثيرا من العوامل والأسباب والاتهامات، الصادرة عن كلا الجانبين، تحوم حولها، أو توجه حتى إليها.
من ذلك التصعيد في شرق أوكرانيا الانفصالي، والمناورات والمناورات المضادة في البحر الأسود، والانتشار الروسي الكبير على الحدود الشرقية والجنوبية والشمالية، وخط "نورد ستريم 2" لنقل الغاز المثير للجدل، وحتى أزمة اللاجئين على الحدود البيلاروسية البولندية القريبة، وغيرها الكثير الكثير من القضايا الفرعية.
الحشود العسكرية الروسية
من أكثر القضايا طرحا وسخونة، في الوقت الحالي، تبرز قضية حشود عسكرية روسية جديدة كبيرة قرب الحدود مع أوكرانيا، تذكر بالضجة التي أثارتها حشود مماثلة في أبريل الماضي.
وقد حذر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مؤخرا، من أن روسيا حشدت نحو 100 ألف مقاتل على حدود أوكرانيا، لكن الأولى جددت التأكيد على أنها لا تخطط لأي تدخل عسكري في الأراضي الأوكرانية، وعلى حقها بحشد أي قوات عسكرية داخل أراضيها.
استعدادات أوكرانية
ويبدو أن أوكرانيا تأخذ على محمل الجد هذه "التهديدات" واحتمالات "الغزو" الروسي لأراضي أوكرانيا، كما يصفها مسؤولون في الولايات المتحدة وحلف الناتو (NATO).
خلال الأيام القليلة الماضية، أجرى وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، زيارات مكوكية إلى عدة قواعد ونقاط تمركز عسكرية، وأعلن أن بلاده تعتزم نشر منظومات صواريخ "نيبتون" المضادة للسفن (NEPTON) على حدودها الجنوبية، وشراء المزيد من الطائرات المسيرة من تركيا.
وقالت نائبة وزير الدفاع، هانّا ماليار، إن "الجيش الأوكراني وضع في "حالة تأهب دائم" للدفاع عن البلاد، ضد اجتياح واسع النطاق، أو أي سعي روسي للاستيلاء على مواقع في البنية التحتية الحيوية".
وكانت أوكرانيا قد أعلنت -في وقت سابق- نشر نحو 8500 جندي على حدودها الشمالية مع بيلاروسيا، التي تعتبرها مصدرا محتملا لتدفق المهاجرين على المدى القصير، ولدخول الجنود الروس (أو مجموعات استطلاع تخريبية بقناع المهاجرين)، كما وصفها أحد ألوية الجيش.
دعم غربي لافت
ولا ينكر الاوكرانيون أنه، إلى جانب الاستعدادات المحلية، يبقى التعويل كبيرا على دعم الحلفاء في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة وحلف الناتو، خاصة في إطار مساعي البلاد الحثيثة نحو عضوية الحلف.
وهنا تبرز حقيقة لافتة، مفادها أن تصعيد اليوم يقابل بدعم غربي غير مسبوق لأوكرانيا، لا يقتصر -كما كان- على عبارات الدعم السياسي، ودعوات التهدئة، والتهديد بالعقوبات.
دعم وصل حد إعلان السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي، مايك تيرنر، أن الولايات المتحدة أرسلت فعلا عسكريين إلى أوكرانيا على خلفية التوتر الراهن، وإعلان بريطانيا استعدادها إرسال 600 جندي إلى أوكرانيا خلال 36 ساعة أيضا.
وإلى جانب ذلك، وصلت إلى أوكرانيا، أمس الإثنين، دفعة جديدة من المساعدات الدفاعية الأمريكية، تضمنت قرابة 80 طنا من الذخائر، بحسب السفارة الأمريكية في كييف.
وفي سياق متصل، ذكرت وكالة "بلومبرغ" أن الولايات المتحدة تبحث حاليا مع حلفائها الأوروبيين الردود المحتملة، إذا اتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أية إجراءات عسكرية ضد أوكرانيا، ومن بينها فرض عقوبات جديدة على موسكو، وتقديم المزيد من المساعدات الأمنية لكييف.
هذا بالإضافة إلى استمرار تدريبات PASSEX بين أوكرانيا والولايات المتحدة وتركيا ورومانيا في مياه البحر الأسود، بمشاركة سبع سفن حربية، من بينها سفينة القيادة الأمريكية "ماونت ويتني"، التي أغضب وجودها في المنطقة روسيا.
"مساعدات" للانفصاليين
وفي خضم هذا كله، يبدو أن روسيا تتعامل مع هذا الدعم بجدية أيضا، وتسارع الخطى لتحصين خطوط "الدفاع أو الهجوم" لديها.
وقد وقع الرئيس بوتين، أمس الإثنين، مرسوم "الدعم الإنساني" لسكان شرق أوكرانيا الانفصالي، الأمر الذي أثار موجة تشكيك وغضب في أوكرانيا.
الرئيس الأوكراني السابق، بيترو بوروشينكو، قال في تغريدة على "تويتر": "هذا "الدعم الإنساني صفعة على وجه كل أولئك الذين سعوا بإخلاص إلى تسوية سلمية"، في إشارة إلى اتهامات سابقة وجهتها أوكرانيا لروسيا، بنقل العتاد والسلاح والجند إلى الانفصاليين الموالين لها، عبر "شاحنات المساعدات".
هذا بالإضافة إلى تعزيز روسيا حجم تواجد قواتها في مناطق شمالية قريبة من أوكرانيا، بعد اختتام مناورات "زاباد 2021" (الغرب 2021)، المشتركة مع بيلاروسيا؛ ولا تخفي موسكو أن ذلك "لضمان أمن روسيا، على خلفية الإجراءات العدوانية لحلف شمال الأطلسي".
حقيقة التصعيد
ومع ذلك، ورغم الكثير من التصريحات الرسمية المشككة بالنوايا، والمحذرة من خطورة التصعيد وتداعياته، تبرز أصوات معبرة عن وجهات نظر مغايرة، وإن كانت خافتة.
الكاتب والمحلل السياسي، دميترو فورونكوف، يقول للجزيرة نت: "لا أرجح سيناريو الغزو الروسي، رغم أنه يمكن توقع أي شيء من روسيا".
وأوضح: "لتحقيق أهدافها ضد أوكرانيا والغرب، تستطيع روسيا -على سبيل المثال- دعم الموالين لها، وإثارة نزاعات داخلية وحدودية، واستخدام أسلحة الهجمات السيبرانية والهجرة وغيرها؛ أما خيار الحرب الشاملة، فأعتقد أنه لا معنى له بالنسبة لبوتين، ولا يحتاجه".
ويضيف: "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أوكرانيا أنكرت قبل أيام وجود أي حشود عسكرية روسية جديدة على الحدود، ثم انتقلت فجأة إلى التحذير منها، لا يمكن استبعاد أن ما يحدث هو أزمة مصطنعة مسرحها أوكرانيا، واستفزاز متعمد لروسيا تدفع إليه واشنطن، لخلق توتر معين، يبدو أنه يصب في مصلحتها".
وعلى حد رأي فورونكوف: "ربما يريد الأمريكيون تقويض ثقة الأوروبيين بروسيا، وخاصة في برلين. وبالتالي، قد تكون هناك فرصة للضغط أكثر على روسيا، والحيلولة دون زيادة نفوذها والتحالف مع الصين، من خلال تشديد العقوبات، وتجميد خط "نورد ستريم 2" لفترة معينة، بالتزامن مع زحف الناتو أكثر فأكثر صوب حدودها".
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022