حول "لعنة" أشرف غني وحاشيته في أفغانستان

نسخة للطباعة2021.08.19
إيليا كوسا - خبير في "المعهد الأوكراني للمستقبل"

كُتبت هذه العبارة في سطر قصير على تويتر، من قبل وزير الدفاع الأفغاني السابق، بسم الله محمدي، وهو يغادر كابول ، بعد ساعتين من استسلامه لطالبان، والرحلة الغامضة (آنذاك) للرئيس أشرف عبد الغني.

ذهب أشرف غني إلى نهايته بعناد، دون عودة إلى أي وضع أو منصب شغله، كمواطن أمريكي سابق، ومدرس، واقتصادي، ومسؤول في البنك الدولي، وخبير، ومرشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، وأفضل وزير مالية في آسيا عام 2003 وفقًا لمجلة Emerging Markets، ولا كرئيس منذ 2014. 

كان غني المرشح الأفضل في نظر الغرب، ولكن 7 سنوات من حكمه، لم يحقق فشلا عاديا، بل فشلا ذريعا.

ربما يكون هذا مصير "المميزين"، الذين يبدون واعدين، لكنهم يفشلون عندما يواجهون الواقع المحلي القاسي، والسلطة في أنقى صورها.

تمكن أشرف غني من تشكيل حكومته الأولى بعد نحو 100 يوم من تنصيبه، مع صعوبات هائلة، ومشاحنات سياسية، تميزت بها فيما بعد فترة حكمه بالكامل.

اتضح أن الصفات الحسنة التي امتلكها الرئيس في حياته المهنية المذهلة مع الغرب، لم تكن الوحيدة، وكان لديه صفات أخرى: صعوبة التواصل مع الآخرين، والاستبداد، والأنانية، والتعطش للسلطة، والاندفاع، وعدم الرغبة بالاعتراف بالأخطاء.

لذلك، في انتخابات 2019، من أصل 10 ملايين ناخب، جاء 1.6 مليون فقط للتصويت في مراكز الاقتراع، ونصفهم فقط صوتوا لغني.

لمدة 7 سنوات، ظل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد كما هو، عند 20 مليار دولار، وزاد الفقر من 39٪ إلى 54٪. 

على الرغم من الجهود الحقيقية لخلق وظائف، كان ربع السكان عاطلين عن العمل حتى 2019، ثم بدأت جائحة كورونا.

ميزانية أفغانستان كانت 11 مليار دولار سنويا، منها ناتج محلي لا يتجاوز 2.5 مليار دولار فقط، و8.5 مليار دولار الباقي كانت من التدفقات المالية الخارجية.

في عام 2019، تم إنتاج 6.7 طن من الأفيون في أفغانستان، وهو رقم قياسي خلال 10 سنوات.

ما حدث لأشرف غني في تلك الساعات والدقائق المصيرية من صباح 15 أغسطس في كابول لا يزال لغزا.

توقفت طالبان فجأة عند بوابات العاصمة، وقالت إنها تتوقع انتقالا سلميا للسلطة لتجنب وقوع إصابات. 

وبعد أن تحدث إلى القوات الأمنية وأمرهم بـ "الاهتمام بالنظام في المدينة"، جمع أشرف غني أغراضه، وصعد بصمت على متن الطائرة وحلّق بعيدًا في اتجاه مجهول. 

بعد ذلك، رفضت طالبان فجأة فكرة تشكيل حكومة انتقالية، ودخلت ببساطة كابول، التي لا حول لها ولا قوة، والمنكوبة بالذعر.

قبل يومين فقط، جاء غني، الحازم والواثق من نفسه، إلى مزار الشريف، حيث أعلن عن إنشاء جبهة موحدة مناهضة لطالبان، وتوعد الحركة بـ"معركة حقيقية". وفي اليوم التالي، غادرت القوات الأفغانية المدينة وسلمتها لمسلحي طالبان!.

يبدو أنه، حتى الولايات المتحدة تخلت عن "نجمها الخارق" في عالم المفكرين السياسيين، الذين تمت ترقيتهم إلى السلطة في كابول. 

بعد أن طار فوق طاجيكستان، وبعد أن توقف في عمان، وجد غني ملجأ فقط في الإمارات، التي قبلته "لأسباب إنسانية". 

صرحت الولايات المتحدة (بجفاف) أنها لم تعد تعتبر الرئيس الهارب شخصية سياسية جادة في أفغانستان.

ما حدث خلال الشهر الماضي هو مأساة شخصية بالنسبة لأشرف غني. فبعد 30 سنة غياب، لم يكن قادرا على "إعادة الاتصال" بالوطن، وكسب احترام وثقة السكا ، حتى قضى على نفسه في رحلة مهينة ومؤلمة.

كان استيلاء طالبان على كابول تأكيدا واضحا على حقيقة أن الأشخاص الوسيمين والأذكياء والمتعلمين وفق النمط الغربي، والصالحين في المناصب الدولية العليا، لا يضمنون الحكم الفعال والتقدم، بل على العكس من ذلك، قد يؤدي وجودهم إلى تفاقم المشاكل. 

بالنسبة للغرب، الذي يقوم بنشاط بتصدير هذا النموذج إلى دول أخرى، أصبحت أفغانستان جرس إنذار، ولكن بالمناسبة، هي بعيدة كل البعد عن كونها الأولى. 

لا يسع المرء إلا أن يتذكر هنا ميانمار، والعراق بعد صدام، ولبنان 2020، وتونس.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس - وسائل التواصل الاجتماعي

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022