روسيا وأوكرانيا و"نورد ستريم 2" بينهما

نسخة للطباعة2021.08.12
فريد واير - صحفي كندي مقيم في موسكو

شيء مهم، بل ربما هائل، تغير في المحور الجيوسياسي بين موسكو وأوكرانيا والغرب. الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل أصدرا بيانا الشهر الماضي يعطي إشارة الضوء الأخضر لخط أنابيب "نورد ستريم 2"، الذي سينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة، ملتفاً على خط أنابيب يعود للفترة السوفييتية يمر عبر أوكرانيا. 

تختلف الآراء في كييف باختلاف من تسألهم. فهناك من يرى أن الأمر يتعلق بطعنة أمريكية غير متوقعة في ظهر كييف، تُضعف بشكل خطير الأمن القومي لهذا البلد الذي يواجه الكثير من المشاكل. 

وهناك فريق آخر يرى أن الأمر قد يكون نقمة في ظاهره، لكنه نعمة ستساعد على تحرير أوكرانيا من اعتمادها طويل المدى على الغاز الروسي.

وفي موسكو أيضاً، المزاج العام ليس احتفالياً مثلما قد يُتوقع. فبالنسبة لكلا البلدين، ما حدث هو جلوس زعيمي الولايات المتحدة وألمانيا وعقدهما صفقة جيوسياسية مهمة خلف ظهريهما. 

هذا ينطوي على درس قاس مفاده، أن ألمانيا، الحليف القديم للولايات المتحدة والتي استثمرت كثيراً في إتمام أشغال إنشاء خط أنابيب "نورد ستريم 2"، تبدو أهم بكثير في حسابات واشنطن من روسيا أو أوكرانيا. 

وفي هذا السياق، يقول سيرجي ستروكان، وهو كاتب عمود متخصص في الشؤون الدولية بصحيفة "كومرسانت" الصادرة من موسكو: "قد تقوم موسكو وكييف بحساب أرباحهما وخسائرهما من هذا القرار، ولكن الحقيقة هي أن لا علاقة له بهما".

ويوضح: "ذلك أن جو بايدن كان يسعى إلى عكس الضرر الذي ألحقه دونالد ترامب بالتحالف العابر للأطلسي، فأخذ هذه "الليمونة المرة" – خط أنابيب كانت تريده ألمانيا حقاً، وكان مكتملاً بنسبة 90% - وصنع منها "عصيراً سائغاً" عبر تقديم تنازل للألمان. 

وأردف قائلاً: "قد يكون بعض الأشخاص في أوكرانيا مستائين للغاية بسبب هذه الخطوة التي أظهرت أن أوكرانيا وصراعها مع روسيا ليسا الأولوية الأولى على أجندة واشنطن.

وبحسب بعض الأصوات الصادرة من كييف، فإن تلك حبة دواء مرة ينبغي بلعها، رغم أنها لم تكن فكرة واقعية أبداً. 

وبالمثل، ليس هناك سبب للشعور بالرضا في موسكو. فصحيح أن الضغط على خط أنابيب "نورد ستريم 2" قد زال، ولكن ليس لأن الولايات المتحدة اعترفت بالمصالح الروسية، أو أنها من المحتمل أن تستسلم لها في المستقبل.

الواقع أن الولايات المتحدة عارضت دائماً تعطش ألمانيا واقتصادات أوروبية غربية أخرى لإمدادات الطاقة الروسية. ففي السبعينيات، اعترضت واشنطن بشدة على إنشاء خط أنابيب "دروجبا" (الصداقة) عبر أوكرانيا وبولندا لنقل إمدادات الطاقة السوفييتية إلى أوروبا. 

خط الأنابيب ذاك، الذي يوجد الآن في قلب نزاع خط أنابيب "نورد ستريم 2"، ما زال ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وهو ما يدر على أوكرانيا ما بين ملياري دولار و3 مليارات دولار من رسوم العبور السنوية، وهو مبلغ ليس بالزهيد بالنسبة لاقتصاد بلغ ناتجه المحلي الإجمالي 154 مليار دولار في 2020. 

ولكن قبل عقدين تقريباً، بدأت روسيا تخطّط لطرق جديدة تلتف على أوكرانيا، التي كانت تتخذ فيها التطورات السياسية ما كانت تعتبره موسكو منعطفاً مناوئاً لروسيا، وخاصة بعد الثورة البرتقالية في 2004. فبدأ العمل على خط أنابيب "نورد ستريم 1"، الذي صُمم من أجل نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة تحت بحر البلطيق، في 2005.

انتهت أشغاله في 2011، ولكن ليس قبل أن يندلع عدد من "حروب الغاز" بين موسكو وكييف، ما هدد المستهلكين المرتجفين من البرد في بلدان المصب بإغلاقات، وألحق ضرراً بالغاً بسمعة روسيا كمورّد طاقة موثوق يمكن الاعتماد عليه. 

أما التخطيط الرئيسي لـ"نورد ستريم 2"، الذي لديه قدرة كافية على السماح لمصدّري الغاز الروسي بتفادي استخدام شبكة خطوط الأنابيب الأوكرانية، فقد بدأ فعلياً في 2015، عقب ثورة الميدان الموالية للغرب في أوكرانيا. 

يقول ميخائيل كروتيخين، وهو شريك في شركة استشارات النفط والغاز"راس-إنيرجي" التي يوجد مقرها في موسكو: "إن تقليص العبور عبر أوكرانيا كان رغبة "غازبروم" (شركة الغاز الروسية المحتكرة التابعة للدولة)".

ويضيف: "لديهم الآن خيارات كافية جداً لتزويد ألمانيا مباشرة (بالغاز) وجعل خط الأنابيب الأوكراني عديم الجدوى. ومن الناحية السياسية، روسيا ستربح الكثير. ذلك أنها لم تعد في حاجة للاعتماد على أوكرانيا، وأوروبا منقسمة حول الموضوع. وهذا يناسب موسكو تماماً".

البيان الألماني الأميركي يتعهد بمساعدة أوكرانيا على الانتقال إلى مصادر الطاقة الخضراء وتعويض أي خسائر، ولكنه يَعد أيضاً بدعم استمرار صادرات الغاز الروسي المدرة للرسوم عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية. 

غير أن يوري فيترينكو، رئيس شركة الطاقة "نافتوغاز" المملوكة للدولة، يخشى أن تكون تلك الوعود جد فضفاضة: إذ يقول: "لا نعرف ما إن كانت (القوى الغربية) مستعدة لفعل ما ينبغي من أجل ضمان أن يظل لدينا نقل عبر أوكرانيا، لأننا نواجه اعتداء متواصلاً من الفدرالية الروسية، ونواجه استخداماً متواصلاً للغاز كسلاح جيوسياسي". 

وأضاف قائلاً: "يفترض أن نتوقع بعض الانخفاضات الدراماتيكية في حجم الغاز الذي يمر عبر أوكرانيا. ومن هنا فصاعداً، اعتباراً من 2025، عندما ينتهي العقد الحالي، يفترض أن نتوقع توقف تدفق الغاز".

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الاتحاد

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022