رحل ستالين وبقيت أوكرانيا، كما بقيت كثير من الآلام التي خلفتها فترة زعامته للاتحاد السوفيتي في المتاحف وذاكرة الأوكرانيين حتى يومنا هذا، وستبقى محفوظة في ذاكرة التاريخ كواحدة من أفظع مآسي القرن العشرين، كما يصفها بعض الساسة في أوكرانيا.
ولعل من أبرز هذه الآلام تلك التي سببتها المجاعة التي فرضها حكم ستالين على الأوكرانيين بين العامين 1932 و1933، لقتل النزعة الاستقلالية في نفوسهم عن الاتحاد، ما أدى إلى موت الملايين منهم جوعا؛ وتقدر بعض الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية أعدادهم بنحو 10 ملايين.
الذكرى الثمانين
وقد أحيت أوكرانيا قبل يومين الذكرى الثمانين لهذه المأساة الإنسانية، من خلال مسيرة شارك فيها سياسيون وأعداد ممن نجوا منها، أو فقدوا ذويهم وأقربائهم وأصدقائهم وجيرانهم خلالها.
وعند تمثال يرمز إلى ضحايا المجاعة وسط العاصمة كييف، أضاء المشاركون الشموع على أرواح الضحايا، وحملوا صورا وشعارات نددت "بديكتاتورية ستالين والنظام السوفيتي السابق"، وطالبت باعتبار مأساة المجاعة "جريمة إبادة جماعية".
حكايات المجاعة
تحدثنا إلى عدد ممن شاركوا بالمسيرة، وخاصة من كبار السن الذي عاشوا أيامها، ومنها السيدة ليديا، التي حكت قصة نجاتها وموت جيرانها.
تقول ليديا (86 عاما): "المجاعة فرضت بشكل خاص على القرى بسبب تذمر معظمها من النظام وانتقاد استغلاله وهيمنته، فكان الجنود يصادرون جميع أنواع الغذاء والمؤن من البيوت والمحلات، بما في ذلك القمح والبطاطا".
وتابعت قائلة: "انتشر الجوع والبكاء في أيام المجاعة الأولى، وخاصة بين الأطفال الصغار، ثم تبعها أنين الضعف والألم، حتى بات الموت يحصد الأرواح تلو الأرواح في بيوت القرية".
وعن نجاتها وأهلها، قالت إن والدها أخفى بقرتهم بعيدا عن البيت، فكانت تمدهم وتمد الجيران بالحليب الذي أسكن جوعهم قليلا، لكن ذلك لم يمنع الموت عن أختها وآخرين، لأن رحلة الأب لجلب الحليب كانت محفوفة بالمخاطر، وغالبا ما كانت تنتهي بالإخفاق.
وتروي فالينتينا (85 عاما) بعض ما ثبت في ذاكرتها خلال المجاعة، فتقول: "أتذكر أن أمي عمدت إلى تقشير مخزون البطاطا الذي كان لدينا بالكامل، ودفنت القشور مع بعض القمح في مغارة بالأرض، فصادر الجنود البطاطا المقشرة وغيرها من المؤن، وبقيت لنا القشور التي كنا نأكلها نيئة حتى لا تنتشر رائحتها ونعاقب.
جريمة إبادة
وبالرغم من عظم المأساة وبشاعتها، لا تزال الأحزاب السياسية منقسمة إزاءها، بين من تراها جريمة إبادة جماعية، وأخرى تعتبرها حدثا أليما أو كارثة، أو حتى تبررها بسعي نظام ستالين لوحدة الصف وتماسكه.
فقد طالبت أحزاب الميول الغربية خلال حكم البرتقاليين بين 2005 – 2010 باعتبار المجاعة جريمة إبادة، لكن البرلمان أخفق مرارا بالتصويت لصالح مشروع قرار حول هذا الشأن.
وترى بعض الأحزاب أن المجاعة كارثة أتت على دول مجاورة أيضا، ولم تكن تستهدف الأوكرانيين، رغم أنهم كانوا معظم ضحاياها، ومنها حزب الأقاليم الحاكم الموالي لروسيا وريثة الاتحاد السوفيتي الوحيدة، التي من شأن قرار يعتبر المأساة كإبادة جماعية أن يفرض عليها تعويضات كبيرة للأوكرانيين.
وتحت قبة البرلمان وخارجه، دافع الحزب الشيوعي عن ستالين ونظامه بالبراءة من الجريمة، واعتبر بعض قادة الحزب أن هذا "الإجراء الصارم" اتخذ ليحفظ للاتحاد وأغلبية مواطنيه الوحدة والتماسك والقوة عقودا، مع التشكيك بأرقام أعداد الضحايا.
ولكن رغم الانقسام السياسي، يعتبر فياتشيسلاف شفيد مستشار الأمن القومي السابق في الرئاسة الأوكرانية أن ذكرى المجاعة مناسبة توحد الأوكرانيين، وتذكرهم بأن للظلم نهاية مهما طال أمده، وأن البقاء للشعوب.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة نت
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022