يطرح التوجه التركي، دبلوماسيا وعسكريا، نحو أوكرانيا، جملة من التكهنات المتعلقة بمستقبل علاقات أنقرة مع موسكو.
فأوكرانيا تشكل نقطة تجاذب وتوتر بين روسيا من جهة، والغرب الأطلسي من جهة أخرى.
تركيا جزء من حلف شمال الأطلسي، الساعي إلى استقطاب أوكرانيا إلى هياكله، باعتبارها نقطة متقدمة له في مواجهة روسيا، ما يمنح الغرب فرصة لرفع منسوب الضغط على الروس.
وتركيا تتشارك مع الروس بملفات متعددة في سوريا وليبيا وغيرهما، وقد بلورتا صيغ تفاهم تحافظ على مصالح كل منهما، وتطورت تلك التفاهمات إلى سياقات تعاون اقتصادي وتجاري وسياسي متقدمة، لكن أبرزها تمثل في التعاون العسكري بينهما وصولا إلى صفقة صواريخ "إس 400" الروسية لتركيا، والتي كادت أن تفجر علاقات أنقرة مع الناتو وواشنطن، على حد سواء.
تدرك كل من موسكو وأنقرة أن حدود التعاون والتفاهم بينهما تعود بالفائدة عليهما كلما توسعت دوائرها وتشعبت ميادينها، فموسكو تعتبر أن الإمساك بورقة تفاهم متين مع تركيا يحقق لها أغراضا عدة، على رأسها:
أما تركيا، فتعتبر علاقاتها مع موسكو مصدر دعم إضافي لطموحاتها الجيوسياسية والاستراتيجية، وتتعاطى مع هذه النافذة بمعيارين:
كذلك، التقارب التركي الأوكراني وتطوره إلى تعاون بطابع سياسي، حيث ترفض أنقرة ضم روسيا لجزيرة القرم، وأعلنت دعمها لسياسة كييف في هذا المجال، بالإضافة إلى طابع آخر عسكري عبر انخراط أنقرة في عملية تسليح متدرجة للجيش الأوكراني بطائرات "بيرقدار" المسيرة وإسهامها في إعادة بناء الأسطول الأوكراني المتهالك.
هذا التقارب برز في ظل مناخات إيجابية معبرة عن مصالح ورؤية الجانبين الروسي والتركي في كثير من المجالات والقضايا الثنائية منها والدولية، ومع ذلك لم يمر الأمر دون انتقادات من الجانب الروسي وصل إلى حدود اتهام تركيا بالعمل على تقويض مصالح روسيا في محيطها الحيوي، حيث تعتقد أنها "محاطة بالأعداء"، إذ تشهد تلك المنطقة توترا متصاعدا بسبب الاستقطاب الناشئ في أوكرانيا، مما حدا بموسكو إلى مطالبة أنقرة بالتخلي عن اتخاذ أي خطوات من شأنها تحفيز ما وصفته بـ"التطلعات الانتقامية لدى أوكرانيا"، واعتبار تزويد كييف بالأسلحة والطائرات المسيرة "لا يسهم في تسوية الصراع بالطرق السلمية".
تسعى كييف لحيازة ما يمكن أن يتاح لها من أوراق دعم وتأييد لمواقفها في معالجة الأزمة مع موسكو.
وقد تناغمت توجهات تركيا لتوسيع رقعة نفوذها مع مصالح أوكرانيا، وتقاطعت مع استراتيجية الناتو في هذا الملف ببعديه الروسي والأوكراني.
وهنا أتساءل: ما حدود الانخراط التركي في هذه الأزمة مع الجانب الأوكراني والأطلسي ضد روسيا؟ وهل تكتفي أنقرة بإدارة الأزمة مع موسكو كما حدث في أكثر من ملف متشابك بينهما على المسرح الدولي؟
وبالمقابل، هل تقبل روسيا أي مقاربات تركية أو أطلسية يمكن أن تنطوي على أي نوع من التهديد لما تعتبره "مصالح استراتيجية" مرتبطة ارتباطا جذريا بسيادتها واستقرارها وأمنها الوطني والقومي؟
أهمية أوكرانيا لموسكو تأتي من عوامل جغرافية، كونها تقع على التخوم الفاصلة بينها وبين الكتلة الغربية الأطلسية، وتعتبرها حديقتها الخلفية، لذلك تنظر إلى موقف أنقرة بمنظار مختلف عن مقارباتها لأحداث وقضايا في مناطق أخرى لا تشكل أي تهديد مباشر لها ضمن حدودها التاريخية.
فقد تستفيد موسكو من حالة عدم الثقة، التي تَسِمُ علاقات أنقرة بدول الناتو، وتبني على ذلك مواقف وتوجهات تفيدها في معالجة الأزمة الأوكرانية، بما يضمن مصالحها عبر توثيق العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع تركيا، التي ستجد في ذلك مسارا إضافيا لتوسيع تعاونها مع الروس.
تبقى كييف متأرجحة، تتنازعها رغبات غير محسومة حتى الآن كما يبدو، بعضها متعلق بانضمامها إلى الناتو مع ما يحمله ذلك من قلق من جراء رياح روسية عاتية قد تهب عليها، وبعضها متعلق بخيار التقارب مع تركيا، بحيث تكون قريبة إلى النادي الأطلسي عبر أنقرة من جهة، ومن جهة أخرى يمكن أن تستثمر في العلاقة التركية- الروسية لتحقيق أهدافها بنزع فتيل الأزمة.
تماهي أنقرة مع توجهات كييف والناتو، التي تناهض المصالح الروسية، لن يصب في مصلحة علاقاتها مع موسكو، ومواقف روسيا وخياراتها حيال هذه الأزمة لن تكون قابلة للمساومة على حساب أمنها الاستراتيجي.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
العين الإخبارية
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022