ارتفع التوتر في الآونة الأخيرة بين أوكرانيا التي تسعى إلى استعادة وحدة ترابها وروسيا التي تدعم الانفصاليين في منطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيتين، الأمر الذي وضع تركيا في موقف صعب قد يجعلها مضطرة لترجيح علاقاتها مع إحدى الدولتين على علاقاتها مع الأخرى، إن لم تجد طريقا للتوازن بينهما وإرضاء الطرفين إلى حد ما.
العلاقات التركية الروسية تطورت في السنوات الأخيرة، على الرغم من تباين موقفي أنقرة وموسكو من بعض الملفات، وتحرص كل من تركيا وروسيا على حماية هذا التقارب والتنسيق، وتجاوز الخلافات أو تحييدها.
كما أن العلاقات التركية الأوكرانية تحسنت بشكل كبير لتصبح كييف من أبرز المشترين لطائرات "بيرقدار" المسيرة التركية؛ التي غيرت المعادلات في العمليات العسكرية بشمال سوريا وشمال العراق وليبيا وقره باغ.
التقارب بين تركيا وأوكرانيا يزعج موسكو التي تعبر عن غضبها تارة من خلال التصعيد في إدلب، وتارة أخرى عبر قرارات تمس الاقتصاد التركي، كقرار تقليص عدد الرحلات الجوية النظامية والمستأجرة إلى تركيا بحجة ازدياد عدد المصابين بكورونا فيها، لتستخدم السياح الروس كوسيلة ضغط على أنقرة
تركيا تدعم وحدة تراب أوكرانيا، ولا تعترف بإلحاق شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية، وتهدف إلى تعزيز تعاونها مع كييف في مختلف المجالات على رأسها الصناعات العسكرية. ومن المؤكد أن هذا التقارب بين تركيا وروسيا يزعج موسكو التي تعبر عن غضبها تارة من خلال التصعيد في إدلب، وتارة أخرى عبر قرارات تمس الاقتصاد التركي، كقرار تقليص عدد الرحلات الجوية النظامية والمستأجرة إلى تركيا بحجة ازدياد عدد المصابين بكورونا فيها، لتستخدم السياح الروس كوسيلة ضغط على أنقرة.
وإن وصف الجانب التركي هذا القرار الأخير بـ"غير سياسي"، فإن المتابعين للعلاقات التركية الروسية يرون الرسالة التي يحملها القرار، كما أن موسكو سبق أن استخدمت ورقة السياح ضد تركيا بعد حادثة إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال زيارته للقاهرة، حذر تركيا ودولا أخرى من مغبة "تشجيع النزعة العسكرية في أوكرانيا"، في إشارة إلى دعم أنقرة لكييف. وجاءت هذه التصريحات ردا على سؤال حول مدى قلق موسكو من توريد أنقرة أسلحة إلى كييف، والزيارة التي قام بها الرئيس الأوكراني للعاصمة التركية.
كما صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، بأن تحليق الطائرات التركية المسيرة في سماء دونباس شرقي أوكرانيا لا يسعدهم على الإطلاق، ووصف تصدير المنتجات التركية إلى دول أخرى "معادية" بـ"أمر خطير".
قد تكون روسيا منزعجة من تحليق الطائرات المسيرة التركية التي قامت كييف بشرائها، في سماء دونباس، ولكن ليس من حقها أن تعترض على بيع تركيا تلك الطائرات، وهي ذاتها تبيع اليونان وقبارصة الروم والنظام السوري كافة أنواع الأسلحة والأنظمة العسكرية. ومهما كانت علاقاتها مع تركيا جيدة، لا يُقبل على الإطلاق أن تفرض على أنقرة ما تبيعه وما لا تبيعه. كما أن أوكرانيا دولة مستقلة ذات سيادة يحق لها أن تشتري من أي دولة تشاء؛ ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر لحماية أمنها القومي. وقد تعتبرها روسيا "معادية" إلا أنها "صديقة" في نظر تركيا، وليس من الضروري أن تعادي تركيا ما تعاديه روسيا.
تركيا لا تحبذ اندلاع حرب ساخنة في منطقة البحر الأسود بين دولتين تقيم علاقات جيدة مع كلتيهما، بل ترغب في إنهاء التوتر بين موسكو وكييف عبر الحوار والمحادثات والطرق الدبلوماسية السلمية، بدلا من حشد القوات على الحدود والحلول العسكرية. وهي مستعدة للقيام بدور الوساطة بين الطرفين لنزع فتيل الأزمة، كي لا يتحول البحر الأسود إلى ساحة حرب وتصفية حسابات تتصارع فيها القوى العظمى على حساب دول المنطقة.
هناك قضايا أخرى قد تفجر أزمات في المستقبل غير التوتر الحالي بين روسيا وأوكرانيا، وقد يشهد البحر الأسود خلافا على غرار ما يشهده شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إن أقدمت موسكو على تغيير الحدود البحرية
أنقرة تحرص في مثل هذه القضايا على تبني مواقف تتوافق مع الشرعية والقانون الدولي، ومن الطبيعي أن تدعم وحدة تراب أوكرانيا ومكافحة كييف ضد الانفصاليين، وأن ترفض ضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها.
وهناك سبب آخر لهذا الموقف الأخير، وهو أن شبه جزيرة القرم موطن للأقلية التركية المسلمة التي تربطها مع الأناضول أواصر تاريخية ودينية وقومية.
وبالتالي، لا يمكن لأنقرة أن تغض البصر عن مسلمي القرم ومعاناتهم ومطالبهم، علما أن هؤلاء يرفضون الخطوة غير الشرعية التي قدمتها روسيا بقرار ضم شبه الجزيرة الاستراتيجي إلى أراضيها.
هناك قضايا أخرى قد تفجر أزمات في المستقبل غير التوتر الحالي بين روسيا وأوكرانيا، وقد يشهد البحر الأسود خلافا على غرار ما يشهده شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إن أقدمت موسكو على تغيير الحدود البحرية، بناء على اعتبار شبه جزيرة القرم جزءا من أراضيها.
ومن المؤكد أن خطوة من هذا القبيل ستعقد الأمور، وتزيد الطين بلة، وتجعل مهمة التوازن بين موسكو وكييف أصعب من ذي قبل.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
عربي 21
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022