إرث ترامب المشؤوم.. بكين لا تنتظر الصدقات ولا تحتمل الإهانات أيضا...

نسخة للطباعة2020.12.08
أوليكساندر بولافين - محلل سياسي

ترامب يعضّ قبل تنحيه. جمع أكثر من 170 مليون دولار من أجل الطعن في نتائج التصويت، لكنها لم تنفق وستُستخدم للترويج للحزب الجمهوري وترشح ترامب في عام 2024. الجمهوريون يشككون والصحفيون يضحكون، لكن ترامب مستمر في زرع "الألغام" الدولية على طريق خليفته، وقبل كل شيء في العلاقات مع الصين.

كالمعتاد، وفقا للمرحلة الأولى الموقعة من اتفاقية التجارة، تفرض الولايات المتحدة رسوما على الصادرات الصينية. أبقى البيت الأبيض الرسوم الجمركية عند معدل 25% على بضائع صينية بقيمة 250 مليار دولار. كما وبقيت سارية المفعول الرسوم الجمركية عند معدل 7.5% على سلع بقيمة 120 مليار دولار. وقد تعهدت بكين بشراء منتجات صناعية أميركية بقيمة 75 مليار دولار ومحروقات بقيمة 50 مليار دولار ومنتجات زراعية بقيمة 40 مليار دولار وخدمات بقيمة 35-40 مليار دولار. في حين لم تؤد المفاوضات حول الجزء الثاني من الصفقة إلى أية نتائج ملموسة على خلفية جائحة كورونا.

بغض النظر عن اللبس في بوتوماك والتعيينات والموافقات و"تسليم الملفات"، قال بايدن الرئيس المنتخب حديثًا "حول الشأن الصيني" إنه من الأهمية بمكان الدفاع عن حقوق المثليين وتعزيزها. 

بايدن لا ينوي رفع العقوبات التي فرضها ترامب، وسنرى ماذا سيجري لاحقا. قال بايدن مخاطبا الكاتب توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز: "لا أنوي القيام بأي خطوات متسرعة، وهذا يطال التعريفات أيضا". ويضيف بايدن في عمود فريدمان الذي نشر الأربعاء، "لا أنوي قصر إمكانياتي".

غير أن الأمر لا يقتصر على هذا فقط. إذ أقر مجلس النواب "قانون حول إقرارات الشركات الأجنبية"، الذي يجعل الشركات الصينية ولا سيما شركة علي بابا وشركة التكنولوجيا Pinduoduo Inc والعملاق النفطي PetroChina Co Ltd مرتبطة فعليا وبشكل كامل بمدققي الحسابات الأمريكيين، بالإضافة إلى أنهم سيجبرون على الكشف عن الكثير من الأسرار التجارية. 

بل وأكثر من ذلك، يطمح الأمريكيون أيضا للحصول على مبالغ كبيرة، حيث سوف تكلف مراجعة حسابات الشركات الصينية في السوق الأمريكية حوالي 2.2 مليار دولار.

من ثم، أبدت الولايات المتحدة قلقها الشديد بشأن العمالة الجبرية في الصين. حيث أعلنت إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، وفقا لإعلان "إي بي سي نيوز"، فرضها حظر على المنتجات القطنية المصنوعة في سنجان، بل أكثر من ذلك، تحت ذريعة مكافحة التجسس الصيني، ألغت الولايات المتحدة تأشيرات 1000 طالب صيني، وفقا لتقارير بي بي سي نيوز، وإلخ. إلخ

في سنوات دراستنا القديمة، طورنا نحن، علماء الأحياء، القول المأثور الشهير "لسنا بحاجة إلى انتظار صدقة الطبيعة ..." وعلى هذا المنوال: "لا يجب على الطبيعة أيضا أن تنتظر صدقتنا"، وبالمناسبة، لقد تحقق ذلك، ولكن ليس هذا ما أعنيه. هكذا، قررت الصين ألا تنتظر صدقة الولايات المتحدة منذ مدة طويلة.

تدرك بكين جيدا أنها تواجه سباقا محموما مع الولايات المتحدة. صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، وعلى لسان أستاذ صيني، تحذر الصينيين من التوقعات المتفائلة، والتي ظهرت مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض. وقال يانغ سيوتون، عميد معهد العلاقات الدولية في جامعة بكين، إن "بايدن سوف يتبع نهجا متعدد التوجهات وأن الضغط سيزداد على الصين ولن ينخفض. سيتخذ بايدن موقفا أكثر صرامة وسوف يخصص مواردا أكثر لحل هذه المسائل، الأمر الذي سيؤدي إلى نزاعات أكثر خطورة".

أولاً، لم يعد عند القيادة الصينية أي تهاون إطلاقا منذ مدة طويلة. صار هذا واضحا على وجه خاص بعد الجلسة العامة الخامسة للحزب الشيوعى الصينى التاسع عشر، التي وجهت برنامج التنمية للسنوات العشر القادمة نحو داخل البلاد. في تشرين أول/أكتوبر، خلال زيارته إلى قوانغدونغ، أشار الرئيس شي إلى أنه "يجب على الصين أن تصبح دولة وأمة متطورة بفضل جهودنا الخاصة، وأن تلتزم باحترام الذات والثقة بالنفس على الصعيد الوطني، وأن تسير في طريقها بثبات".

ثانيا، بدأت الصين، دون أن تنتظر انتهاء المنافسة المحتدمة على المكتب البيضاوي، في التحرك في بعض الاتجاهات مستبقة الأحداث. الصين عادة لا تهاجم ولا تتميز بالهستيريا والعصبية خاصة في الشؤون الدولية. لكن الزمن يتغير، وترتب الوضع بسبب الجائحة بشكل لم يتوقعه أي مفكر صيني، ما حتم تعديل الاستراتيجيات والتكتيكات.

رغم تناطح الأسطول الصيني مع المدمرة الأمريكية ماكين، إلا أن قوات بكين الرئيسية اندفعت نحو  الدبلوماسية. فالدبلوماسية تسمى "السلاح الهادئ" وهو مناسب للصين، كما وأن الوقت الآن مناسب لذلك.

يقول المحللون إن بايدن يسعى إلى العودة إلى الأحلاف العابرة للوطنية. ولديه وفقا لشهادة إكسبريس البريطانية الأدوات اللازمة للضغط على الرئيس شي. لهذا السبب تحديدا تسعى الصين مستعجلة  لتعزيز "التنفيذ على الأرض"، إذا جاز التعبير، النجاح في إبرام إتفاقية 14 تشرين ثاني/نوفمبر.

يدور الحديث حول "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)"، التي وقعت عليها 15 دولة في المنطقة، بما فيها خمسة دول حليفة لواشنطن. ولقد صدرت أكثر من مرة تهديدات من واشنطن أنه بمجرد عودة بايدن إلى رشده بعد الانتخابات، سوف يسعى إلى إطالة تدمير هذا الاتفاق.

يعتبر السياسيون والدبلوماسيون الصينيون أن الأداة الأهم للقيام بذلك هي مكافحة كوفيد 19 عبر نشر اللقاح الصيني في كل العالم. وفقا لإعلان سي إن إن، جُهّز مطار شنجن بمستودع خاص يمكنه استلام وشحن مئات الملايين من جرعات اللقاح إلى دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. بعد بدء اختبارات خمسة لقاحات مطورة في 16 دولة على الأقل، صارت الصين جاهزة لإنتاج وتوزيع كميات ضخمة من العقاقير المنقذة للحياة فورا بعد تسجيلها.

أعلنت شبكة سي إن إن مثلا، "وقعت شركة من لائحة  Nasdaq Sinovac Biotech  لتصنيع الأدوية والمتمركزة في بكين صفقات لشحن 46 مليون جرعة من لقاحها ضد كوفيد 19 إلى البرازيل و 50 مليون جرعة إلى تركيا وستورد 40 مليون جرعة من اللقاح لإندونيسيا للإنتاج المحلي".

تنظر بكين إلى هذا المشروع على أنه أفضل طريقة للدبلوماسية. حيث قال يانتشجون خوانغ رئيس الخبراء في مسائل الصحة العالمية في مجلس واشنطن للعلاقات الدولية: "لم نسمع حتى الآن أن الولايات المتحدة تحدثت أو عرضت التبرع ببعض لقاحاتها لدعم الدول الفقيرة. لذا هذا يجعل الصين في وضع أفضل من حيث استخدام اللقاح لتحقيق أهداف سياستها الخارجية ". ولقد كثف المسؤولون الصينيون في الآونة الأحيرة حديثهم عن "طريق الحرير الصحي".

رغم أن مهمة بكين هذه، ستتعرض بلا شك وحيثما دعت الفرصة للتسميم بالتعليقات الكاوية والإشاعات  حول عدم فاعلية اللقاح المدعومة بصور المرضى ومعاناتهم بعد تلقيه وبإحصاءات الوفيات الناجمة عنه. كما وستكون هناك أيضا مناوشات سياسية. في جميع الأحوال، لقد بدأت الفضيحة في البرازيل. حيث اشتبك الرئيس بولسونارو، الذي يكره الصين، مع رئيس بلدية ساو باولو ج. دوريا، الذي دعم توفير إمدادات عاجلة من اللقاح للبلاد.

شنت الصين، وربما لأول مرة خلال العقود الأخيرة، هجوما ليس فقط على الجبهة الدبلوماسية، بل وعلى جبهة التجارة الخارجية أيضا. ليس على صعيد التجارة الخارجية فحسب، بل وضد أستراليا حليف الولايات المتحدة الوفي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. أولا، متعبة من ضجيج الغرب والشرق الدائم (بما في ذلك أستراليا) حول مراعاة الحقوق المدنية وانتشار الكثير من الخرافات حول الصين، وجهت الصين اتهامات شديدة اللهجة للجنود الأستراليين لارتكابهم الفظائع و القتل المتعمد في أفغانستان.

تصف سي إن إن الصورة الشهيرة على هذا النحو: "يبدو أن جنديا أستراليا يمسك برأس طفل أفغاني على خلفية العلمين الوطنيين، مهددا بقطع رقبته بسكين ملطخ بالدماء. خطف وجه الطفل الهلع. الجندي يتبسم بلؤم". ونُشر تغريدة مدعومة بهذه الصورة على تويتر الممثل الرسمي لوزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان.

نفت كانبيرا على الفور الحادثة. لكن سرعان ما ظهرت صورة مسيئة جدا لجندي أسترالي يشرب البيرة من طرف اصطناعي منزوع من مقاتل في حركة طالبان الأفغانية. نشرت هذه الصورة لأول مرة منظمة هيومن رايتس ووتش.

في نفس الوقت تقريبا، أعلنت بكين عن تمديد عقوباتها الشديدة ضد صناعة النبيذ الأسترالية. حيث فرضت رسوم جمركية على الخمور الأسترالية  تتراواح بين  107.1% و 212.1%.

لكن كل هذا "زهور"، إذ سوف تظهر "الثمار" لاحقا. نشرت بي بي سي مقالا مطولا حول كيفية تأثير العملاء الصينيين على حكومة بايدن. قال جون ديمرز، وهو رئيس قسم الأمن القومي في وزارة العدل الأميركية، أن عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي تعرفوا خلال الصيف على مئات الباحثين الصينيين المرتبطين بالجيش الصيني.

كتبت "إن بي سي نيوز": "قال ضابط مخابرات، غير مخولً للتحدث علنا وطلب عدم الإفصاح عن اسمه، إن مجتمع الاستخبارات صار على دراية بعمليات التأثير الصينية الموجهة ضد أعضاء الكونغرس والتي بلغت أكثر من ستة أضعاف الروسية و 12 ضعف الإيرانية ". قال مدير المخابرات الوطنية  جون راتكليف في إحاطة لجنة المخابرات بالكونغرس الشهر الماضي إن عشرات المشرعين صاروا ضحايا على نطاق واسع لحملات التأثير الصينية، هذا وفق ما أوردته لأول مرة صحيفة The Hill. إذا صدقنا مقولات هؤلاء المحترمين، هذا يعني أن الصين أطلقت  مجساتها في صميم المؤسسة الأمريكية.

بغض النظر عن تعاقب أجيال من القادة الصينيين، يتذكرون اليوم في بكين على الأرجح  قول ماو تسي تونغ المأثور حول الإمبريالية الأميركية: "إنها قوية الشكل فقط، لكنها في الواقع نمر ورقي، غير قادر على تحمل لا الرياح ولا الأمطار". هل ما تزال هذه العقيدة واقعية؟. سنرى...

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022