درس كاراباخ.. مفتاح ازدهار أرمينيا في باكو وأنقرة وليس في موسكو

نسخة للطباعة2020.11.13
هينادي دروزينكو - حقوقي أوكراني - محلل سياسي

قال أوليكساندر سولجينتسين عبارة حكيمة عن فوائد الهزيمة: "هناك حقيقة بسيطة، ولكن يجب أن نعاني من أجلها: الانتصارات في الحروب ليست هي المباركة، بل الهزائم!. فبعد الانتصار يتوقون للمزيد من الانتصارات، أما بعد الهزيمة يتوقون إلى الحرية، ويحصلون عليها عادة. الشعوب بحاجة إلى الهزيمة مثل حاجة الأفراد إلى المعاناة والبؤس: هذه الأمور تدفع إلى تعميق العالم الداخلي والإرتقاء روحيا".

هذه الحكمة لا تعمل دائما، لأن الهزيمة يمكن أن تؤدي إلى الانتقام وحدوث مأساة أعظم. ومن الأمثلة الناصعة على ذلك، ألمانيا ما بين الحربين العالميتين أو روسيا الحديثة. 

الهزيمة مفيدة فقط في حال أدت إلى التنفيس وإعادة النظر في التجربة الخاصة. من خلال إدراك الحقيقة الموضوعية كما هي، ومن خلال البحث عن أسباب الهزيمة في الذات والمحاولات الصادقة لتصحيح هذه الأسباب، يمكن اعتبار فنلندا وألمانيا فيما بعد الحرب مثالين ممتازين على هذا الإنبعاث، الذي تلا الهزيمة.

كان الأرمن رهائن انتصارهم في حرب كاراباخ الأولى. وبدلا من أن يبحثوا عن حل وسط دائم مع أذربيجان لمسألة كاراباخ، حتى ولو كان ذلك موجعا، وثقوا في حنكتهم التي لا تُقهر والوصاية الروسية. 

إن تركيز السيرة الوطنية على الجروح التاريخية وعظمة الأمة الأرمنية غطى وبرر الفساد والفقر والحكم غير الفعال والنظام شبه الإجرامي الذي أقامه في أرمينيا أبطال الأمس الذين شاركوا في حرب كاراباخ الأولى. 

أذكر أنني سألت صديقا لي يدرس في إحدى الجامعات المحلية أثناء رحلتي إلى كاليفورنيا إن كان هناك أرمن فقراء في لوس أنجلوس (المشهورة بحي الأرمن). بعد أن فكر قال: الأرمن الفقراء يعيشون في أرمينيا.

ليس من المستغرب أن يتفجر الفقر والفساد والجريمة في انتفاضة عام 2018 الشعبية والتي أوصلت باشينيان إلى السلطة. لكن حتى هو، رغم عناده وميزاته القيادية القوية، كان رهينة لمقولة "أرتساخ فوق كل شيء". 

فقط الهزيمة الشائنة على يد  القوات التركية الأذربيجانية منحت الأرمن فرصة للعودة إلى السؤال الأساسي، حول ما هو الأهم بالنسبة لهم: الصراع الوجودي مع "الأتراك" (كما هم يسمون الأتراك الحقيقيين والأذربيجانيين) أم ازدهار بلدهم.

من المفارقات أن الطريق لازدهار أرمينيا يمر عبر الصلح وفتح الحدود وتكثيف التجارة مع جارتها المسلمة الثرية، تماما، كما يوضح توماس دي وال في كتابه "البستان الأسود"، لم يحكم على الأذربيجانيين والأرمن بالعداء المؤبد. 

لقد تعايشوا بسلام وأثروا ثقافاتي بعضهما في عهد العبقري الأرمني سايات نوفا الذي كتب معظم أعماله في أذربيجان، حيث وقعتا الدولتان تحالفات دفاعية في أوائل القرن التاسع عشر وسمحتا بالكثير من الزيجات المختلطة السعيدة في الحقبة السوفيتية، تاجروا بشكل سلمي ومفيد للطرفين حتى بعد نهاية حرب كاراباخ الأولى في سوق ساداخلو الحدودي في جورجيا.

دون تطبيع العلاقات مع جيرانها المسلمين، سيحكم على أرمينيا بالعسكرة والانتقام والاستبداد وستصبح محمية روسية في القوقاز. يجب البحث عن مفتاح استقلال أرمينيا الحقيقي وازدهارها في مثال فنلندا، التي تمكنت من تحويل هزيمتها في الحرب مع الاتحاد السوفيتي وخسارتها جزء كبير من أراضيها إلى انتصار للحس السليم والسياسة الرصينة والزخم الاقتصادي.

مهما بدا هذا الأمر سخيفا لإخواني الأرمن، إلا أن  مستقبل أرمينيا العظيمة يمر عبر باكو وأنقرة وليس عبر موسكو. فلننظر إلى الكوريين، الذين اعتبروا اليابانيين عدوهم الأول تاريخيا، العدو الذي كان في النصف الأول من القرن العشرين أكثر المستعمرين قسوة وغطرسة وتسبب في ظلم الشعب الكوري أكثر مما ظلم الأتراك الأرمن، في نهاية المطاف تمكنوا من قلب الصفحة المأساوية و الاستفادة من الشراكة مع عدو الأمس، والقفز بأنفسهم من العالم الثالث إلى العالم الأول.

للقيام بذلك، يحتاج الأرمن الذين قاتلوا بأعلى شجاعة في هذه الحرب غير المتكافئة إلى تجنب إغراء الإنتقام  والبحث عن سبب الهزيمة في أنفسهم  والتوقف عن الهذيان بالجروح التاريخية وأن يتذكروا كلمات نيلسون مانديلا العظيم: "لا يولد أحد مع الكراهية لشخص آخر بسبب لون جلده أو أصله أو دينه. الناس يتعلمون الكراهية، وإذا كان بإمكانهم تعلم الكراهية، يجب السعي لتعليمهم الحب، لأن الحب أقرب بكثير إلى قلب الإنسان".

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

موقع "هازيتا"

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022