الأحداث الأخيرة في فرنسا، المتعلقة بالهجمات الإرهابية على خلفية دينية، والجدل غير المسبوق القائم بين الرئيسين الفرنسي والتركي حول هذه القضية، وضع على جدول الأعمال الدول الحالي عددا من القضايا التي أصبحت اليوم، دون مبالغة، أصعب عقدة في السياسة العالمية.
قد تكون الآثار الناجمة عن هذه القضية، بالنسبة للتطور الشامل لتوجهات السياسة العالمية الأساسية، أكبر بكثير وأهم، حتى من حيث نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة.
من الواضح للجميع أن جوهر وطبيعة هذا الصراع يتجاوز بكثير العلاقات الثنائية بين البلدين فرنسا وتركيا، ليصبح شكلا جديدا من الحوار بين مجمل التقاليد الغربية المسيحية المتشكلة والعالم الإسلامي الشرقي.
أعلن عشرات الرؤساء الأوروبيين وكبار السياسيين في جميع الدول الغربية تقريبا عن دعمهم لماكرون. وبالمقابل، تجمع العشرات من القادة المسلمين وقادة العالم الإسلامي حول أردوغان، وأعربوا عن دعمهم له بالطرق المختلفة. هذا يعني أن القضية تكتسب أبعادا عالمية أشبه بقضايا الطاقة.
هناك جانب آخر للقضية، لم يدركه الكثيرون بعد، وبالتالي لا يأخذونه في الحسبان.
الجميع يدرك تقليديا مستوى تعبئة وتماسك الأمة الإسلامية (في فرنسا وفي جميع أنحاء العالم على حد سواء)، المستعدة للدفاع عن مبادئها والذهاب إلى ما هو أبعد من أجل ذلك، حتى ولو أدى الأمر إلى المواجهة.
في نفس الوقت توجد فكرة بسيطة ومبتذلة حول القصور الذاتي واللامبالاة والانقسام في العالم الغربي، الذي فقد منذ زمن طويل قدرته على إظهار تسلسل رغبته في الحفاظ على هويته الخاصة والمبادئ الأساسية لتقاليده الثقافية والأيديولوجية الأصيلة.
في ظل هذه الظروف، وبعد أن صار الكثيرون يعتبرون أن الحضارة الغربية فريسة سهلة للمسكونية الثقافية والدينية الشرقية الأفتى، تظهر تفاصيل جديدة ودقيقة، لم تدرك بالكامل بعد:
الوحدة التي أبداها كل من المجتمعات والقادة الغربيون حول موقف ماكرون يمكن، وقد تصبح بداية للعد التنازلي، ونقطة انطلاق لتوجه عالمي جديد.
فهم الغرب (بأوسع معنى لهذه الكلمة) أن الاستقرار، وعلى المدى الطويل، يعتمد على التمسك بتقاليد العالم اليوناني والروماني العائدة لألف سنة، ومن بعدها العالم المسيحي، يصل به (الغرب) إلى مرحلة خطيرة، تدفع إلى التفكير في احتمالات الوجود أو حتى البقاء عموما. وبالتالي، من الضروري جدا، في مثل هذه الظروف، ليس التحدث والتنهد فقط، بل والتصرف أيضا بأكبر حزم ممكن، من أجل الحفاظ على المبادئ ووجود البيئة الأصيلة.
وهكذا، عند الحديث عن جميع المكونات المختلفة للوضع الدراماتيكي الحالي، التي عبرت عنها التجليات الواضحة للمواجهة بين القادة الفرنسيين والأتراك، يجب على الجميع الاستعداد لمجموعة متنوعة من السيناريوهات، التي تبدو -حتى الآن- غير محتملة، أو حتى غير واقعية...
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022