أوكرانيا.. بين مواجهة مع روسيا وتوتر مع الاتحاد الأوروبي

نسخة للطباعة2020.09.30
أوليكسي هونشارينكو - نائب أوكراني عن حزب "التضامن الأوروبي" 

يتوجه الرئيس زيلينسكي إلى بروكسل الأسبوع المقبل لحضور القمة السنوية الثانية والعشرين بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، في وقت وصلت فيه العلاقات الثنائية إلى أقصى درجات التوتر منذ توقيع اتفاقية الشراكة التاريخية في عام 2014. 

أصبحت العلاقة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي أقوى بشكل ملحوظ خلال الـ6 أعوام الماضية، لكن تراجع حكومة زيلينسكي عن التدابير الرئيسية لمكافحة الفساد يثير قلق شركاء أوكرانيا الأوروبيين فيما يتعلق بوجهة البلاد في المستقبل.

كانت التوترات المتزايدة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا تتصاعد تحت السطح مباشرة خلال زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إلى العاصمة الأوكرانية في 22 سبتمبر، وهو الذي شدد على أن أوكرانيا لا ينبغي أن تأخذ دعم الاتحاد الأوروبي كأمر مسلّم به. 

منذ عام 2014، كان الاتحاد الأوروبي الشريك الأقوى لأوكرانيا وسيستمر، لكنه هذا الدعم مرتبط أيضا بالحاجة الملحة لتعزيز سيادة القانون وتطوير مكافحة الفساد.

لقد أظهرت أحداث السنوات الست الماضية أن أوكرانيا محكوم عليها بالعيش إلى جانب روسيا المعادية، وهذه هي الحقيقة البسيطة، بغض النظر عمن يشغل مكتب الرئيس في كييف.

التقارب التاريخي والثقافي والاقتصادي والجغرافي لأوكرانيا مع روسيا يعني أن موسكو لن تسمح أبدا لمدينة كييف باختيار طريق نحو التكامل الأوروبي الأطلسي.

حتى الحياد الصارم لن يكون كافيا على الأرجح، ومن منظور الكرملين، يشكل مجرد وجود أوكرانيا المستقلة والديمقراطية تهديدا وجوديا لنظام بوتين، ولتماسك الاتحاد الروسي في المستقبل.

إن الطابع طويل الأمد للمواجهة الحالية بين روسيا وأوكرانيا مفهوم جيدًا في الكرملين، ويمكن ملاحظة ذلك في نهج روسيا الحالي تجاه أوكرانيا، حيث لم يكن فلاديمير بوتين في عجلة من أمره للسيطرة على البلاد. وبدلاً من ذلك، فهو سعيد بترك المأزق الدموي والاحتلال الجزئي في شرق البلاد يطحنان البلاد إلى أجل غير مسمى.

وفي الوقت نفسه، تلعب موسكو أيضا لعبة أطول، ما يؤجج الانقسامات الداخلية ويزرع المشاعر المعادية للغرب داخل المجتمع الأوكراني كجزء من استراتيجية لعرقلة المسار الأوروبي الأطلسي عن مساره، واستعادة الأرض المفقودة تدريجيا على مدار العقد القادم، عندما تصبح أوكرانيا أقل اتحادا، وأكثر عزلة دوليا.

في كييف، غالبًا ما يبدو الرئيس زيلينسكي ودائرته الداخلية غافلين عن النوايا الحقيقية لروسيا، ويبدو أنهم يعتقدون أن الصراع يمكن حله في المستقبل القريب. 

حديثهم عن تحقيق السلام "مع نهاية هذا العام" لا يزال يتردد صداه لدى العناصر الأكثر سذاجة من الناخبين الأوكرانيين الذين أنهكتهم الحرب. ومع ذلك، فإن هذه النظرة المتفائلة ترتكز على تمنيات خطيرة بدلاً من الواقع الجيوسياسي الصعب.

أوكرانيا بحاجة ماسة إلى التخلي عن التوقعات المضللة بشأن اختراق وشيك نحو سلام مستدام، وبدلاً من ذلك، يجب أن تتبنى كييف مواقف أكثر واقعية تعكس احتمالية استمرار الحرب الهجينة اليوم لسنوات عديدة قادمة. 

في مجال السياسة الخارجية، يعني هذا تعزيز معارضة العدوان الروسي في جميع أنحاء العالم، ومن أجل الدفاع عن نفسها في الداخل، يجب على أوكرانيا أن تسعى إلى لعب دور أكثر بروزا في الجهود الدولية لفضح حقائق طموحات بوتين الإمبريالية وأجندته التحريفية.

توضح التطورات الأخيرة المتعلقة بتسميم نافالني كيف يمكن لأوكرانيا أن تستفيد من نهج دولي أكثر صرامة بشكل عام تجاه نظام بوتين، ويتضح من رد فعل السياسيين الأوروبيين أن التسميم كان له تأثير كبير على المواقف تجاه روسيا. 

بعد سنوات من الحذر النسبي واللغة الملطفة، نشهد الآن مطالبات غير مسبوقة للعمل والشجب الصريح لسلوك موسكو، وقد يؤدي هذا المزاج المتغير إلى مجموعة كاملة من الإجراءات غير المريحة بالنسبة للكرملين. 

تتعرض علاقات موسكو، في مجال الطاقة مع الاتحاد الأوروبي، والوصول إلى الأسواق المالية الدولية، تتعرض للخطر، بينما يواجه ممثلو الدولة الروسية الرسمية وغير الرسمية احتمال فرض عقوبات شخصية مُشددة.

يمكن أن تظهر أوكرانيا كمستفيد رئيسي من الغضب بشأن نافالني، حيث تتماشى الإجراءات العديدة المعادية لروسيا الآن بشكل وثيق مع المصالح الوطنية لأوكرانيا. والأهم من ذلك، أن جوقة الإدانة التي أثارها التسمم تخلق فرصا كبيرة أمام أوكرانيا لتذكير المجتمع الدولي بالحرب الروسية المستمرة في شرق أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم.

لماذا ظلت أوكرانيا على الهامش؟

تعود سلبية كييف جزئيًا إلى مخاوف في غير محلها بشأن خلق توترات إضافية مع موسكو، ولكن هناك عوامل أخرى تلعب الدور. 

لدة أوكرانيا نفور من نافالني نفسه، الذي اكتسب سمعة سيئة بين الأوكرانيين، لإعلانه أنه لن يسعى إلى عكس اتجاه الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم عام 2014 وضمها.

هذا التشكك تجاه نافالني مفهوم ومبرر على حد سواء، لكنه ليس في المصالح الوطنية لأوكرانيا، والمطلوب درجة من البراغماتية من أجل تحديد أفضل ما يخدم أهداف كييف. 

قد يمثل نافالني بديلاً أقل من مثالي "للبوتينية"، لكن الغضب من تسميمه يخلق مجموعة من الظروف التي تكون في صالح أوكرانيا، وبالتالي ينبغي تشجيعها.

فضيحة تسميم نافالني هي مجرد واحدة من العديد من القضايا الدولية المتعلقة بروسيا، والتي يمكن أن تستثمرها كييف. تشمل القائمة هنا بيلاروسيا وسوريا وليبيا وأي مكان آخر حيث تسعى روسيا لتوسيع نفوذها.

من خلال القيام بذلك، يمكن أن تعمل كييف على إضعاف موقف موسكو مع تعزيز المعارضة الدولية للعدوان الروسي على أوكرانيا نفسها. 

الحملة العالمية للأعمال العدائية المختلطة التي تشنها موسكو حاليًا هي امتداد للنضال من أجل إخضاع أوكرانيا الذي بدأ في أوائل عام 2014، و يجب أن تهدف السياسة الخارجية الأوكرانية إلى التأكيد على هذه النقطة في كل فرصة.

إذا كان لأوكرانيا أن تعيش كدولة مستقلة، فيجب أن تتعلم التفكير عالميا في حربها المختلطة مع روسيا. لا يمكن أن تكون هناك حلول سريعة أو سلام وسط مع روسيا التي تعتبر الدولة الأوكرانية بمثابة حادث تاريخي، وتعامل الديمقراطية على أنها أيديولوجية معادية. وبدلا من ذلك ، ينبغي على كييف أن تسعى إلى إبقاء أوكرانيا في قلب الجهود الدولية لمواجهة الكرملين.

الآن، هو الوقت المثالي لتبني هذه النظرة الأوسع للسياسة الخارجية، ورد الفعل الأخير على تسميم نافالني يشير إلى أن الصبر الدولي مع بوتين بدأ أخيرا في النفاد، ولا أحد يستفيد من هذا أكثر من أوكرانيا.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس - Atlantic Council

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022